خلق تفضيلًا؛ ومن ثم لا نعرف دينًا من الرسالات السماوية، إلا وكان للزواج فيه المكان الأول مما يستدعي العناية، والرعاية والاحترام، ولذلك لا نعرف أمة من الأمم التي تعرف قيمة الحياة، إلا وكان الزواج لديها آخذ تلك المنزلة، والعناية والاهتمام، وليس ذلك فقط لأن الزواج أصل الأسرة، بل لأنه مما تدعو إليه الفطرة، وتقضي به الطبيعة البشرية، ومتطلباتها حيث يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء: 1).
ويقول -جل وعلا-: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (الأنعام: 165) كذا قال ربنا: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (هود: 61).
حتى الأنبياء وعباد الرحمن وهم الذين لم يشغلهم أحد عن الله تمشوا مع الفطرة وحصولها فقال الله عنهم: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} (الرعد: 38) وحكى القرآن عن عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (الفرقان: 74).
فقد سألوا ربهم أن يرزقهم أزواجًا وأعقابًا يسرون بمكانتهم، وتقر بهم أعينهم، وكأنهم قالوا: هب لنا منهم سرورًا وفرحًا، فمحبة الولد، والذرية لا يتأتى إلا عن طريق الزواج، وقد تمناها سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء، وخليل الرحمن الأواه الحليم، دون أن يعوقه ذلك عن التبتل إلى الله، والانقطاع للعابدة حيث تضرع إلى الله أن يهبه ذرية صالحة قال تعالى عنه: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} (الصافات: 100، 101) فلم يذم، بل استجاب الله له فوهب له من الصالحين؛ ليعينه على الدعوة والطاعة، ويؤنسه في الغربة.