عن المقدرة على الإبداع الفني فحسب، بل أيضًا عند البحث عن التجربة الفنية سواء بسواء"1.

وإذا رجعنا إلى فرويد وجدنا أن لامنطقية اللاشعور تنشئ علاقات جديدة بين الرموز, وهذه العلاقات الجديدة هي التي يجب أن يلتفت إليها عند محاولة تفسير الأدب. فالرمز في ذاته بما هو صورة أو جزء من صورة ليس هو المعنى, وإنما هو الصورة المجسمة للمعنى الكامن في النفس. وأيضًا فإن العلاقات الجديدة بين هذه الرموز ليست مقصودة لذاتها، وإنما هي صورة للتلوين النفسي.

وليس لما يجري في اللاشعور أية علاقة بفكرة الزمن، إذ إنه لا يوجد في تلك المرتبة من مراتب العقل أي توقيت أو زمان. وهكذا يساعد انعدام الزمن في اللاشعور على التكثيف Condensation الذي يمكن عن طريقه أن يلمح اللاشعور الحوادث المتباعدة بعضها عن بعض في الزمن كأنها متجمعة بعضها إلى بعض، إذا كان بينها أي نوع من الترابط أو العلاقة2.

وأخيرًا، فإذا كان العمل الفني طريقة للتعبير ونقل التجربة الشعورية إلى الآخرين3 فكيف إذن يتحقق للفنان ذلك إذا كان يستخدم رموزًا لاشعورية لها تلك الصفات السابقة للتعبير عن تجربته الخاصة؟ "الفهم العام يدعو إلى الظن بأن اختلاف البيئة والثقافة والمزاج والتراث الفطري قد يؤدي غالبًا إلى اختلاف في المعاني التي يدلي بها الرمز الواحد عند مختلف الأشخاص"4. ولكن بعض العناصر الرمزية يخرج من نطاق المحلية ليكون له صفة العمومية والإطلاق عند أكثر من فرد، بل أكثر من أمة، وكل ذلك يترك المجال دائمًا أمام الآخرين لفهم الأثر الفني وتذوقه من خلال هذه الرموز. وفيما يلي بعض المحاولات لتطبيق المنهج التفسيري في نقد بعض الشعراء.

نحن نعرف أن النقاد القدامى قد عابوا على ذي الرمة مطلع قصيدته:

ما بال عينك منها الماء ينسكب ... كأنه من كُلى مفرية سرب

عابوا عليه هذه الصورة القبيحة أولًا، وعابوا عليه أن يواجه الخليفة بها ثانيًا، وهم في ذلك يعطوننا خير مثال لفكرة التقويم الجمالي والخلقي. وحق أن الكُلى المفرية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015