ومن المألوف عند الناس أن ينظروا إلى هذه المذاهب الثلاثة: الكلاسيكية والرومانتيكية والواقعية، على أساس أن بينها صراعًا، والحقيقة أن كل مذهب منها يمثل الحد الأقصى للون فقط من ألوان النشاط الإنساني، فالدوافع البدائية تؤدي بنا إلى الرومانتيكية، وإحساسنا بالحقيقة يؤدي بنا إلى الواقعية، ويؤدي بنا إحساسنا الاجتماعي إلى الكلاسيكية، أي: الفن الذي يحترم فيه الناس القانون والتقاليد. وأحسن الأدب -فيما أعتقد- هو ما حافظ على التوازن بين هذه القوى جميعًا، كما صنع هوميروس1 وتشوسر2 وشكسبير3 ورنسار4 5. غير أن كل مذهب يتطرف في اتجاهه حتى يصل إلى زمن يحس الناس فيه بأنه ليس كافيًا للتعبير، ويمضون يبحثون عن أسلوب جديد. ومن هنا ظهر "المذهب الرمزي" في أعقاب الواقعية.
وزعماء الرمزية الأوائل هم "بودلير"6، و"فرلان"7، و"مالارميه"8.
وقد كان لهؤلاء الشعراء -برغم اختلافاتهم الواضحة- وجهة نظر واحدة في الحياة؛ ومن ثم كانت "الرمزية9 Symbolism" -رغم أشكالها المختلفة- تتحد في عقيدة واحدة حددت طابع شعرها.
كانت حركة القرن التاسع عشر الرمزية في فرنسا حركة صوفية في جوهرها. وقد عارضت -في أسلوب نبيل- الفن العلمي لعصر كان قد فقد كثيرًا من اعتقاده التقليدي في الدين، وأمل في أن يجد بديلا منه في البحث عن الحقيقة. وقد عارض الرمزيون هذه الواقعية العلمية، وكان اعتراضهم "صوفيا" من حيث إنه قام يدعو لعالم مثالي هو -