وكلمة المقال ليست غريبة على اللغة العربية، ولكنها من حيث دلالتها الفنية تعد محدثة في أدبنا العربي، والحق أن تاريخ المقالة عندنا يرتبط بتاريخ الصحافة، وهو تاريخ لا يرجع بنا إلى الوراء أكثر من قرن ونصف قرن بكثير؛ وبذلك يكون المقال قد دخل في حياتنا الأدبية بعد أن أخذ في الآداب الأوروبية وضعه الحديث. وذلك أن أول استعمال لكلمة مقال صلى الله عليه وسلمssay ظهر حين نشر "مونتين"1 مقالاته عام 1850، ولكن كلمة "مقال" كانت في الحقيقة أقرب إلى ما عرفة الأدب العربي القديم في "الرسالة" لا الرسالة الشخصية أو الديوانية, ولكن الرسالة التي تتناول موضوعًا بالبحث، كرسالة إخوان الصفا مثلا, وهي بذلك كانت تطول حتى تملأ عشرات من الصفحات. أما المقالة في وضعها الفني الحديث فتتميز بالقصر؛ لأنها "لا تحاول أن تشمل كل الحقائق والأفكار المتصلة بموضوعها كما صنع "لوك"2 في "مقال عن الإدراك الإنساني"، ولكنها تختار جانبًا أو على الأكثر قليلًا من جوانبه لتجعله موضع الاعتبار. وهنا يكون ما فيها من فن؛ لأن المؤلف يجب أن يختار هذه الجوانب من موضوعه بحيث يستطيع تقديمها إلى قرائه بطريقة مشوقة. وهذا لا يتضمن المهارة في اختيار موضوع محدد، والحرص في اختيار المادة المتصلة به فحسب، بل يتضمن كذلك الحذاقة Graftsmanship الكافية