الادب النبوي (صفحة 268)

الخصمان للفصل بينهما.

الشرح:

العدل دعامة العمران وباعث الطمأنينة إلى النفوس، به يحق الحق ويزهق الباطل، يأمن في ظلاله الخائف، ويرتدع من جبروته وسطوته الظالم، ويقوي الضعيف المحق، ويضعف القوي المبطل، وتستنير بضوئه مسالك الحياة الوادعة (?) السعيدة، ويضمحل على صخرته صخب البطش والجور.

وأحرى بمن نصب للفصل بين الناس في الخصومات، واستجلاء الحق في ثنايا الدعاوى والأباطيل، أن يكون جد حريص على وضع الأمر في نصابه وتفرس الصواب، من بين عريض الأقوال والمزاعم، ولا يتحقق ذلك، إلا بأن يكون حاضر الذهن، واعيا لكل ما يقال بين يديه، يزنه بميزان الصيرفي (?) الناقد (?) ، والعبقري (?) الحاذق، مالكا زمام أمره، خالي الذهن من الصوارف، التي تحول بينه وبين ما جعل له، رزينا لا تستفزه الأهواء، ولا يأسر لبه الملق (?) والإطراء، حليما لا تحل حبوته المكدرات، ولا تهيج طائره (?) المفزعات، فارغ النفس من الهموم والشواغل. هنالك يتحقق منه العدل، ويرتضي الحكم، وتخضع الهامات العاصية، وتذل النفوس الطاغية ويمتد ظل الأمن على الناس، وتسكن ثورة الأهواء، ويقضي على نزوات العبث والفساد.

أما إذا كان القاضي، أو الحكم على غير ذلك اختل نظره وربما تجاوز الحق إلى الباطل في حكمه، كأن يكون حال غضب استولى على نفسه، وصعب عليه صرفه ومقاومته. وكان سائر ما يتعلق به القلب تعلقا يشغله عن استيفاء النظر ودقة البحث، لاستيضاح الصواب.

ولذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن يقضي القاضي بين الناس وهو غضبان، وقاس العلماء على الغضب كل ما من شأنه أن يؤثر على العقل ويغير الفكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015