ظهرت في باريس عام ألف وستمائة وستة عشر للميلاد، وفيها يصور حبّا ماديّا بين راع نفعي غليظ الطبع وراعية في صفاتهما الحقيقية بين الرعاة العاديين، وهو حب لا مثالية فيه.

ثم يخلص كاتبنا إلى القول بأنه بهذا الجهد المشترك لكُتّاب القصص في الآداب المختلفة قضي على قصص الرعاة كما قضي من قبل على قصص الفروسية والحب، وقامت على أنقاضها قصص العادات والتقاليد في معناها الحديث وخلت القصة بذلك من العناصر العجيبة الخارقة للمألوف واتخذت حوادث الحياة العادية مادة خصبة لموضوعاتها.

وهناك كذلك من الباحثين من يثير تأثير المقامة في "الكوميديا الإلهية" لدانتي إذ ليس من المعقول أن يكون هذا الكاتب بمعزل عن الثقافة العربية الإسلامية وهو الملم بجميع نواحي الثقافة والمعرفة آنذاك، وقد درس الموضوع بمزيد من الجدية والعمق المستشرق الأسباني بلاثليوث في كتابه (المعتقدات الإسلامية حول العالم الآخر في الكوميديا الإلهية) وهو خلاصة دراسة استغرقت عشرين عامًا، وازن فيها المؤلف بين قصيدة دانتي من جهة وبين الكتب الإسلامية والعربية كالقرآن الكريم وكتب الحديث والتفسير والسيرة ومؤلفات المتصوفين ولاسيما كتاب (الفتوحات المكية) لابن عربي و (رسالة الغفران) للمعري وقصص الإسراء والمعراج - وانتهى المؤلف من دراسة كل هذا إلى القول: بأن دانتي كان مطلعًا على كثير من نواحي الثقافة الإسلامية، وأنه استقى من هذا المنبع بعض الصور والمعلومات التي وردت في الكوميديا الإلهية مما يتعلق بالبعث والحشر وخلود النفس ومشاهد الجنة والنار، ونشير إلى أنه وظف هذه المعاني الدينية وفق تصوره؛ إذ يقول الدكتور نذير طعمة: لقد تأثر دانتي بمعمارية المعراج فأفرغها من مضامينها الإسلامية وملأها بمضامين ومواقف تنسجم مع ثقافته ومعتقده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015