الذاكرة إلا وليدة التجربة والمُشاهدة والاطلاعات المختلفة، وبمقدار حسن هضمه لما اطلع عليه وتمثله له، وإخراجه له إخراجًا يظهر عليه طابعه تكون قيمة إنتاجه الأدبي.

وما أشبه الكاتب في ذلك بالنحلة التي تقع على مختلف الأزهار، وتمتص أنواع الرحيق، وتأكل من كل الثمرات ثم يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه، وهذا هو العنصر ذاتي للكاتب في اختراعه.

والأدب المقارن -كما يقول الدكتور غنيمي هلال-: بعيد كل البعد عن انتقاص قدر الكاتب حين يبحث عما غذى به ذاكرته في مطالعاته وفي ألوان ثقافته من مختلفة الآداب، بل غايته من كل ذلك أن يتعرف على روح الكاتب، وينفذ إلى تلك الروح من خلال ثقافته التي هضمها وأخرجها للناس خلقًا جديدًا، وقد أتى يومًا إلى "جوته" صديقه سكرتير "إكرمان" ليهنئه بصدور طبعة جديدة من مؤلفاته كاملة فنظر جوتة إلى أجزاء كتبه مرصوصًا بعضها فوق بعض، وأخذ يشرح لـ"إكرمان" كيف ذخرت مؤلفاته بما اقتبسه من الإغريق والإنجليز والإيطاليين والفرنسيين ثم أضاف إلى ذلك قوله: كل هذا موقع عليه باسم "جوته".

وهذا صحيح، ويمكننا أن نقرر الأمر بالحديث عن أجسادنا، من أين أتت أجسادنا؟ من بذرة بذرها الأب في رحم الأم، ثم أصبحت قطعة من اللحم، ثم أصبحت جنينًا، ثم خرجت إلى الوجود، فأكلت الطعام المتاح لها، وشربت الماء الموجود، وشمت الهواء، وتفاعل هذا كله فكون جسد الإنسان الذي يظل ينمو بما يأكله من طعام جديد، ويشربه من ماء جديد، ويشمه من هواء جديد، وهكذا دواليك، وعلى ذلك يمكننا أن نقيس الإبداع الأدبي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015