وبين "لامرتين" إلا محادثات شفوية يستطاع التعرف على آثارها فيما كتب "لامرتين" بعد مقابلته لذلك الداعية؛ ليوضح فيه ما يمت بصلة إلى تلك الثقافة التي ذاع صيتها في فرنسا في القرن التاسع عشر، وفي القرن العشرين، والتي وجدت صداها لدى كثير من الشعراء مثل "هيجو"، و"فيني" وكان عمادها ما قام بين العلماء والمستشرقون من تأسيس مراكز تلك الثقافة في الجامعات وبعض المعاهد هناك، فتهيئ بكل ذلك جو ملائم لتأثيرها الأدبي.

ومما يلحق بهذا النوع من المصادر كذلك، انتشار تقاليد أدبية خاصة في أدب ما، ثم انتقاله إلى أدباء أمة أخرى، فقد شاع مثلًا في الأدب الإنجليزي وصف نوع من الكبرياء والاعتداد بالنفس، وحُبُّ الظهور لدى جماعة من الأغنياء الذين يَتّخذون من هذه الصفات وسيلة إلى القيام بمغامرات عاطفية مع النساء، وهذا ما يقال له: "لادان ديسم"، ولا تتوفر هذه الصفات إلا لطبقة الأغنياء المترفين الذين يبحثون عن مجال يظهر فيه عجبهم واعتدادهم.

ويبدو هذا الاعتداد فيما يقومون به في المجتمعات وأمام ذوات المكانة من السيدات من أعمال تظهر فيها البطولة أو الطابع الشخصي، كأنواع الرياضة الخطرة، وكالتأنق في الهندام، وكالتفنن في التظرف، ولا يظهر هذا النوع من الناس إلا في عهود الانتقال التي لا تسيطر عليها ديمقراطية كامنة، على حين تبدوا الأرستقراطية فيها مزلزلة القواعد محقورة، فهم يمثلون آخر مظهر من مظاهر البطولة الأرستقراطية في عهد انحلالها، وما أشبههم بشمس غاربة، أو بكوكب يهوي للمغيب، كلاهما يبد جليل المظهر ولكن لا حرارة فيه، فهو يوحي أول ما يوحي بالأسى، وهذا ما كتبه "بودلير" الشاعر الفرنسي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015