وأعطاه لهما وليدًا؛ فاستقصى "أوديب" خبر الراعي رغم تحذيرات زوجته، التي هي أمه ونصائحها، وقد حاول الراعي ألا يخبره، إلا أنه اضطر تحت الضغط أن يخبره بأنه بالفعل أعطى طفلًا وليدًا ذا قدم متورمة لرجل من "كوريسا" ولم ينفذ كلام "لايس" فلم يقتله. واستفسر عن الطريق الذي مات فيه "لايس" فكان هو الطريق الذي تعارك فيه مع راكب العربة وحراسه.
وهنا ظهرت له الحقيقة؛ لقد قتل "أوديب" أباه وتزوج من أمه، بل وأنجب منها؛ فانهار تمامًا، وذهب لاستطلاع أمر زوجته أو أمه فوجدها انتحرت؛ حيث وجد الحبل ما زال يدور بالجثة الهامدة؛ فذهب مسرعًا ليفك الحبل من أعلى لتسقط الجثة؛ فأخذ دبابيس فستانها ومشابكها، وأخذ يفقأ بها عينيه ويصيح: أنه لن يرى شقاءه وجرائمه، ويقول لعينيه: ستظلان في الظلمة فلا تريان من كان يجب ألا ترياه، ولا تعرفان ما لا أريد أن أعرف بعد اليوم، حتى لا ترى الشمس المقدسة إنسانًا دنسًا فعل أكثر الجرائم بشاعة.
وفي موقف مُؤثّر سالت الدماء على لحيته البيضاء، وبللت وجهه، وهو يلعن سوء حظه قد جعله القاتل، ونفى نفسه من الأرض حتى ينتهي الوباء، وعاش طريدًا من الأرض والسماء، وبعد هذا المشهد الفاجع يطلب "أوديب" من صديقه "ريكدور" أن يعتني ببنتيه، كما طلب منه أن توضع الملكة في قبر مناسب.
وقد يكون لقصة "أوديب" أساس تاريخي حقيقي، ولكن يستحيل تخليصه من العناصر الأسطورية التي شابتها وتوارثتها الأجيال في التراث اليوناني القديم، وفي التراث الشعبي لبلدان كثيرة، وقد ورد ذكر مأساة "أوديب" في "الأوديسا" لـ"هميروس" تلميحًا مُختصرًا جدًّا، وفيها: أنه قتل والده وتزوج والدته من دون أن يعلم، وأن أمه "يوكسا" انتحرت شنقًا حين تكشفت لها الحقيقة، أما "أوديب" فقد ظل يحكم طيبة حتى مات.