كتابة "ديفو" روايته بزمن غير قصير، وليس من المعقول أيضًا أن يجهل واحدٌ مثله ذلك العمل الذي شَدّ كِبار عَصره في أوربا كلها، وأعجبهم إعجابًا شديدًا، وكانت له تلك التأثيرات العميقة على عدد من مفكري القارة وفلاسفتها.
ومن هنا؛ فإنني أقول: بأنه من المرجح أن يكون "ديفو" قد تأثر بها أيضًا كما تأثر بما "ورد سيلكيرك" تأثر بها على الأقل من حيث أنها قد شجعته على أن يحول ما قرأه عن مغامرات البحار الإسكتلاندي إلى عمل قصصي، وعلى تضمينه في قصته بعض القضايا الفكرية، مثلما اشتملت (حي بن يقظان) على مثل تلك القضايا، وإن اختلف نوع القضايا هنا عنها هناك؛ نظرًا لاختلاف الشخصيتين والبيئتين والثقافتين والوظيفتين.
صحيح أن أحدًا من المقننين لم يستطِعْ حتى الآن -في حدود علمنا- أن يضع يده على شيء يثبت أن "ديفو" قد اطلع فعلًا على (حي بن يقظان)، بَيْدَ أن هذا لا يستلزم بالضرورة أن يكون الاطلاع قد حدث، أو أن التأثر لم يقع، إذ الأمران مختلفان تمامًا.
وعلى هذا، فإنني لا أستطيع الجزم بتأثير القصة العربية على نظيرتها الإنجليزية كما صنع بعض المتحمسين من الباحثين العرب والأوربيين، بل أكتفي بالترجيح؛ نظرًا لما ذكرته من الأسباب الحاملة لي على ذلك، بالإضافة إلى وجوه التشابه القوية بين العامين، وقرب الزمانين اللذين ظهرا فيهما؛ أما الجزم بنفي أي تأثير لرواية بن الطفيل على (روبنسون كروزو) فأمر لا يمكنني الإقدام عليه، ولا حتى تقبله.
والسلام عليكم ورحمة الله.