الفكرة والمنهج عنه، لكن للدكتور محمد غنيمي هلال رأيًا مختلفًا، إذ رغم تأكيده أن بين (رسالة الغفران) و (الكوميديا الإلهية) تشابهًا حقيقيًّا؛ فإنه يُورد احتمال أن يكون العملان كلاهما قد أفاد من حكاية الإسراء والمعراج، كما ورد في الأحاديث النبوية الغير الموثوق بها على حد تعبيره.

وفي هذه الحالة يكون أبو العلاء -كما يقول الدكتور هلال- قد أفاد من التراث الإسلامي قبل "دانتي"، وهذا كل ما هناك؛ فإنه لا يطرح احتمالًا آخر وهو أن يكون أبو العلاء قد استوحى رسالته من حكاية رحلة "الموبل زرادشتي أرده ويراف" إلى الجحيم والأعراف والجنة، بل لا يَستبعد أن يكون المصدر فارسي أصلًا، لما سار بين المسلمين من حكايات خرافية عن الإسراء والمعراج.

والملاحظ أن الدكتور هلال لم يورد المرجع الذي استند إليه في القول بهذا الرأي الذي أستبعده تمام الاستبعاد، إذا لو كان الأمر كذلك لما سكت العلماء المسلمون على تأثر أبي العلاء "بموبدن زرادشتي" في أمر ديني شديد الحساسية كأمر الآخرة، كما أنّ الفرس لم يكن يفلتوا هذه الفرصة ليلقوا الضوء على مجد من أمجادهم الأدبية، قد رأينا ابن الأثير مثلًا في درس سابق، يُفَضِّل الشعر الفارسي على نظيره العربي، من ناحية أنه يستوعب القصص الطوال جدًّا، دونَ أن يظهر على الشعر كلال أو ملال، على حين لا تزيدُ القَصيدة العربية على بضع عشرة من الأبيات، في مُقابل الآلاف منها في الملاحم الفارسية.

ولم يسكت الجانب الآخر على هذا التفضيل، فرأينا كيف انبرى صلاح الدين الصفدي، يُفَنِّد كل ما قاله ابن الأثير، وموردًا من الشواهد ما يرى أنه كفيل بنفس هذا الحكم، الذي يراه مجحفًا أشد الإجحاف بالقريحة العربية، بل يراه نهجًا شعوبيًّا لا يصح الصمت إيذاءه. ثم قبل ذلك وبعده فإن المواد -على الأقل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015