وتعتبر نصوص "البيكارست" بمثابة قصص العادات والتقاليد للطبقات الدنيا في المجتمع، أي: إنها قصص مغامرات الشطار ومحنهم ومخاطراتهم رواية واقعية، سواء من ضمير المتكلم أم بضمير الغائب، لذلك تسمى أيضًا بالرواية "الأوتوبغرافية البيكارسكية" التي تؤكد مدى اعتماد الرواية على تصوير البعد الذاتي وتجسيد تقاطعه مع البعد الموضوعي، وتتخذ هذه الرواية صبغة هجائية وانتقادية لأعراف المجتمع، وقيمه الزائفة المنحطة، فاضحًا إياها بطريقة تهكمية ساخرة منددة بالاستبداد والظلم والفقر.

وتتغنى رواية (البيكارسكية) باعتبارها رواية شعبية تتغنى بالفقراء والكادحين والمهمشين، الذين صودرت حقوقهم وممتلكاتهم وحرياتهم، وأصبحوا يعيشون على هامش التاريخ، لم يظهر الأدب البيكارسكي في أسبانيا إلا تأثرًا بالفن الشعبي العربي بالأندلس، ولا سيما ظهور طبقة اجتماعية من الشطار العرب المسلمين المهمشين المشردين، الذين آثروا حياة الصعلكة والبطالة والتمرد عن قوانين المجتمع والسلطة، وكانوا يعيشون على حافة المجتمع سواء بالأندلس أو البلدان الأخرى من العالم الإسباني، التي انفتحت عليها إسبانيا، ويقضي هؤلاء الشطار "بيكاروز" حياتهم في التسول والارتحال والغنائم وممارسة الكدية والاحتيال؛ من أجل الحصول على المال أو الحب أو لقمة العيش.

وكان هؤلاء الصعاليك المحتالون المرحون يسمون في الثقافة الإسبانية بـ"المورو"، وتحضرني صور هؤلاء كثيرًا في الرواية الشطارية الإسبانية، إذ يقول أستاذي الدكتور محمد أنقار، والكلام للدكتور حمداوي كما ينبغي أن نتذكر: لم تكن الرواية الشطارية الإسبانية تتبلور من حيث هي نوع سردي بعيدًا عن التيارات والأنواع الأدبية، كالغنائية والمسرح الشعري والقصة المورسكية والقصة العاطفية أو الرعوية، التي حفلت كلها بصورة غزيرة للمسلمين والعرب والمغاربة خلال القرنين السادس عشر والسابع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015