من بعض الوجوه أبا الفتح الإسكندري في (مقامات بديع الزمان)، وأبا زيد السروجي في (مقامات الحريري).

وفيما يخص تقليد القاضي الفارسي المذكور لمقامات الحريري ثمة كتاب للدكتور بديع محمد جمعة عنوانه (دراسات في الأدب المقارن)، تناول في فصل منه هذه المسألة بشيء من التفصيل، وهو يبدأ بتعريف فن المقامة محاولًا الرجوع بهذا الفن العربي الأصيل إلى أول من ابتدعه من المؤلفين العرب.

والمقامة في بداياتها الأولى فن أدبي يقوم عادةً على حكاية من حكايات الشطارة والاستجداء، ذات بطل واحد، ينتقل من مكان لمكان ومن موقف إلى آخر مغيرًا هيئته في كل مرة، متخذًا الكُدية -أي: الشحاذة- وسيلة لكسب ما يقيم حياته، إلى أن تنتهي الحكاية بانكشاف حقيقة حاله وافتضاح أساليب مكره وخداعه، التي يلجأ إليها لتحصيل مطعمه ومشربه، كل ذلك في لغة بديعية أي: مثقلة بالمحسنات البديعية، مفعمة بالفكاهة والتهكم، والحرص على متانة الأسلوب، وإظهار البراعة اللغوية المتمثلة في سعة المعجم اللفظي، وكثرة التسجيع والجناس والتوازن والتوريات، وغير ذلك من ألوان المحسنات المعقدة، ولزوم ما لا يلزم، مع حلاوة التصوير وإبراز بعض الأوضاع الاجتماعية، وتدبير المآزق للبطل ثم إخراجه منها بذكاء ولوذعية.

ثم تطور ذلك الفن ودخله التحوير في الموضوعات والأهداف، فاتسع لكل شيء حتى للوعظ الديني والتوجيهات الخلقية إلى آخره.

وبلغ من اتساع انتشار المقامات واهتمام الكتاب بها أن أحصى بعض الدارسين عدد الذين مارسوا تأليفها؛ فوجدهم تجاوزوا الثمانين مؤلفًا، بدءًا من بديع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015