تنظم شعرًا وأن المسرحية تقوم على الحوار، فلا سرد فيها إلا في أضيق نطاق، وذلك حين يضع المؤلف ملاحظاته السريعة الموجزة قبل بعض المشاهد، كي يهتدي بها المخرج لدن تحويلها من عمل مكتوب إلى تمثيل حي على المسرح، وفي كل من الملحمة والقصة والمسرحية نجد الحوادث والشخصيات والحوار والعقدة والحل والبناء الفني، كما أن المواصفات التي يراعيها المبدع في كل فن من هذه الفنون لا تكاد تختلف بشكل جذري عما ينبغي مراعاته في الفنيين الآخرين.
وقد قال أرسطو في كتابه (فن الشعر) "بويتكس": إن كل ما يصدق على الملحمة يصدق على مسرحية المأساة، اللهم إلا في أن الملحمة لا تنظم إلا في بحر واحد من بحور الشعر، كما أنها تتخذ الشكل السردي علاوةً على أن المأساة محكومة في طولها الزمني بدورة الشمس حول الأرض مرة واحدة، أي: بأربع وعشرين ساعة أو أزيد قليلًا، إن كان ثمة حاجة إلى ذلك على حين أن زمن الملحمة مفتوح.
وهما كما يرى القارئ لا صلة بينهما وبين البناء الفني لهذين الجنسين الأدبيين، ولأن العناصر الموجودة في الملحمة هي نفسها تقريبًا العناصر الموجودة في المسرحية، نجده يؤكد أن من يستطيع الحكم الفني على إحداهما يستطيع الحكم على الأخرى، وبالمثل نراه يذكر أن المؤلف -أيّ مؤلف- قد يروي قصته من خلال ضمير الغائب أو من خلال ضمير المتكلم، أو من خلال ترك الشخصيات تتصرف أمامنا مباشرة، والأسلوب الأخير هو أسلوب المسرحية، أما الأسلوب الأول فأسلوب "هومر" في شعره الملحمي، إلا أنه لم يضرب لنا مثلًا يوضح به كيفية تقديم الشخص نفسه من خلال ضمير المتكلم.