فإذا تكلمنا عن الفن القصصي كما وصلنا في بداياته الأولى وجدنا الملاحم التي لا تفرق بين واقع ووهم؛ لأن الإنسان الذي أبدع لم يكن يفرق بين واقع ووهم، بل كان يعتقد بوجود تلك الكائنات الخرافية التي تعج بها ملاحمه، ويتصور أن الآلهة تعيش في الدنيا كما يعيش البشر وتتصرف كما يتصرفون، وأن من الممكن تمامًا أن ينزل الإنسان مثلًا إلى ما تحت الأرض وأن السحر قادر على تغيير هيئته وشكله، وهكذا. والمعروف أن الملحمة قصيدة قصصية شديدة الطول تدور عادةً حول أعمال بطولية ووقائع ذات دلالة لأمة من الأمم أو ثقافة من الثقافات.

ويفرق الدارسون بين نوعين من الملاحم: النوع القديم كملحمة "جلجامش" وملحمة "الإلياذة" لـ "هومرس" الإغريقي، والنوع الأحدث أو الثانوي مثل "الإنيادة" لـ"فرجيل" الروماني و (الفردوس المفقود) لـ"جون ملتون" الإنجليزي، وهذا النوع الأخير هو من إبداع أدباء كبار معروفين استعملوا له لغة أدبية راقية، ونسجوه عامدين على منوال تلك الملاحم القديمة، التي كانت في الأصل شفوية غير مكتوبة وإن كان قد تم تسجيلها كتابة بعد ذلك فوصلت من ثم إلينا.

وهناك عدة خصائص تميز الملحمة عن غيرها من الأجناس الأدبية، وتتلخص هذه الخصائص في أن يكون بطل الملحمة شخصًا جليلًا ذا مكانة كبيرة بين أبناء وطنه أو في العالم أجمع،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015