أحد ذلك الوادي إلا أهلكته، قال: فوالله لأفعلن، فهبط الوادي ورعى به إبله زمنًا، ثم إن الحية نهشته فقتلته، فقال أخوه: والله ما في الحياة بعد أخي خير، ولأقتلنها أو لأتبعن أخي، فهبط ذلك الوادي وطلب الحية؛ ليقتلها فقالت الحية له: ألست ترى أني قتلت أخاك، فهل لك في الصلح فأدعك بهذا الوادي تكون فيه، وأعطيك كل يوم دينارًا ما بقيت؟
قال: أوفاعلة أنتِ؟ قالت: نعم، قال: إني أفعل -أي: موافق- فحلف لها وأعطاها المواثيق لا يضرها، وجعلت تعطيه كل يوم دينارًا، فكثر ماله حتى صار من أحسن الناس حالًا، ثم إنه تذكر أخاه، فقال: كيف ينفعني العيش، وأنا أنظر إلى قاتل أخي، فعمد إلى فأس، فأخذها ثم قعد لها فمرت به فتبعها فضربها، فأخطأها، ودخلت الجحر، فوقعت الفأس بالجبل فوق جحرها فأثرت فيه، فلما رأت ما فعل قطعت عنه الدينار، فخاف الرجل شرها وندم، فقال لها: هل لك أن نتواثقَا ونعود إلى ما كنا عليه؟ فقالت: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟ وأصبح هذا القول مثلًا يضرب لمن لا يفي بالعهد.
وقد نظم النابغة الذبياني هذه القصة شعرًا، فقال:
وإني لقيت من ذوي الغي منهم ... وما أصبحت تشكو من السر ساهره
كما لقيت ذات الصفا من حليفها ... وكانت تريه المال غبًّا وظاهره
فلما رأى أن ثمر الله ماله ... وأثل موجودًا وسد مفاقره
أكب على فأس يحد غرابها ... مذكرة من المعاول باتره
فقام لها من فوق حجر مشيد؛ ... ليقتلها أو تخطئ الكف بادره
فلما وقاها الله ضربة فأسه ... وللشر عين لا تغمض ناظره
فقال تعالِ نجعل الله بيننا ... على مالنا أو تنجزي لي آخره