بل إن الحبيبين يتناشدان القصائد الغزلية في هذه الخلوة، ومثل ذلك تَدَخُّل الحسين بن علي -رضي الله عنه- لدى كُثَير زوج لبنى؛ كي يطلقها فيستطيع قيس الزواج بها. فمثل هذا التدخل لا يمكن أن يقع، وهو مما لا يشرف الحسين أن يقوم به، ثم كيف نصدق أن يقوم كثير بتطليق هذه السهولة والسرعة، وبخاصة إذا علمنا أنه كان يحبها حبًّا جمًّا، وأنها من جهتها لم تكن تنقم منه شيئًا وكانت ترعى له الود والوفاء؟
هذا الكلام موجود في كتاب مندور بعنوان (مسرحيات عزيز أباظة).
ومثل ذلك بل أشد منه ما ذكره الدكتور محمد مندور عن مسرحية (الناصر)، إذ تصور حياة ملوك المسلمين؛ حتى كبارهم كالناصر والحكم في أقبح صورة، فهم قوم شهوانيون أقرب إلى الحيوانات منهم إلى البشر المهذبين صغار العقول، طاغية شهواتهم، عبيد الملذات، وفي أخطر المواقف نرى أمراءهم لا يحسون بهذه الخطورة التي لا تصرفهم عن العبث ومغازلة الجواري، بل ومحاولة إغراء جاريات أبيهم، وانتزاعهن من بين أحضانه؛ حتى لكأن قصورهم قد استحالت إلى مواخير، وعلى العكس من ذلك نرى أعداءهم الموتورين حتى الجواري منهم، شخصيات إيجابية فعالة مسيطرة على نفسها، قوية الإرادة، واسعة الحيلة، عميقة الدهاء، على نحو ما نشاهد في شخصية "مُنى" بنوع خاص، تلك الشخصية التي صورها المؤلف جبارة، وَفَيَّة لوطنها وذويها، مسيطرة على الأحداث ومسيرة لها، حتى لا تحس بأن شخصيتها أقوى من شخصية الأمراء، بل ومن شخصية الخليفة نفسه، هذا ما قاله مندور.
ومكمن الابتعاد عن مشاكلة الواقع هنا هو أن خلفاء الأندلس كانوا بوجه عام خلفاء أقوياء مثقفين متحضرين أعظم التحضر والرقي، على العكس من الملوك