وبغض النظر عن موافقتنا إياه على رأيه في لغة أباظة المسرحية أو لا، فإنه لا يمكننا السكوت عن زعمه أن اللغة في الشعر الغنائي غاية في حد ذاتها، على حين أنها في الشعر المسرحي وسيلة لغاية أخرى، ذلك أن اللغة في الشعر الغنائي هي أيضًا وسيلة إلى غاية، وقد تكون هذه الغاية هي تعبير الشاعر عما يدور في نفسه، أو قد تكون تصويرًا للعالم الخارجي أو قد تكون استنفارًا وتحميسًا للجمهور إلى آخره، والأدب كله لا الشعر فقط هو سيلة إلى غاية، بل إن جمال اللغة نفسه وسيلة من الوسائل التي يستعين بها الأديب على بلوغ غايته تلك، ونحن وإن كنا نعرف أن جمهور مثل تلك المسرحيات هو عادة جمهور الراقي الثقافة، لا يجد في الغالب صعوبة في فهم مثل تلك الألفاظ ولو بمساعدة السياق، لا نختلف رغم هذا مع مندور كثيرًا، إذ إن أبواب المسرح مفتوحة أمام الجميع، وينبغي أن تظل دائمًا مفتوحة أمام الجميع مهما تكن مستوياتهم الثقافية واللغوية، ومن ثم كان لا بد إذن من وضع الجمهور المتواضع الثقافة، وبخاصة اللغوية منها في الحسبان، بيد أن الأمر في حالة أباظة ليست فيما أقدر بالصعب الذي يصوره مندور.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر كما يقال، فإني أرى أنه ينبغي الاستشهاد بما قاله فؤاد دوارة عن مسرحية (عنترة) لشوقي، وهي تسير في نفس الخط الأسلوبي، إذ قال عن تقديم تلك المسرحية في الإذاعة في أغسطس سنة ألف وتسعمائة وستين ما يلي: وشاركني في الاستماع إلى البرنامج بعض الأصدقاء من ذوي الثقافة المحدودة، وقد أخذوا جميعًا بجمال البرنامج وحسن تنفيذه، ولم ألحظ أن واحدًا منهم شكا من صعوبة اللغة العربية الفصحى أو عجز عن فهمها، بل أبدى