هذه قد فتح في الشعر العربي فتحًا، سبق به قصيدة الأرض الخراب لإليوت، تلك القصيدة التي كان لوقعها من الدوي ما جعلها معلمًا من معالم القرن العشرين الأدبية.
وكما يرى القارئ، فإن في هاتين الملحمتين العنصر الخارق
وهناك أيضًا ملحمة "عبقر" لشفيق المعلوف، و"محمد" لعلي شلق، و"الإلياذة" الإسلامية لأحمد محرم، الذي جاء عمله أقرب إلى السرد التاريخي منه إلى الملحمة، رغم أن الأسلوب الذي كتب به ذلك العمل أسلوب شعري، إذ ينقصه البناء القصصي تمامًا، فهو من هذه الناحية يشبه أرجوزة ابن عبد ربه التي بلغت أربعمائة وخمسًا وأربعين بيتًا في تعديد مآثر الخليفة الأموي عبد الرحمن الثالث بقرطبة، وأرجوزة ابن المعتز في الخليفة العباسي المعتضد بالله، والتي نيفت على أربعمائة بيت من نحو عشرين بيتًا، وإن كان عمل محرم أطول من ذلك كثيرًا جدًّا.
ولا مانع أن تعد تلك الأعمال الحديثة من الملاحم، ما عدا "الإلياذة" الإسلامية؛ لافتقارها إلى أهم عناصر الملحمة وهو العنصر القصصي، ولا ريب أن من الصعب استمرار ملامح جنس أدبي ما دون تغيير أو تعديد أو تطوير طوال كل هاتيك القرون الشاسعة، وهناك مقال لـ"ماتيا كافانيا" يتناول بعض الأعمال الأدبية الفرنسية المعاصرة، فيعدها من الملاحم رغم أنها لا تتوفر فيها كل العناصر الملحمية، ذلك أن هذه الأعمال قد ساهمت في إحداث ذلك التغيير، الذي كان من جرائه أن أصبحت الملاحم تُكتب نثرًا، بعد أن كانت على الدوام تصب في قالب الشعر علاوة على غلبة الطابع العاطفي عليها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته