ولابن الهبارية كتاب (الصادح والباغ) في ألف بيت كل بيت منها قصر مشيد، ونكتة ما عليها في الحسن مزيد، يشتمل على الحكايات والنوادر والأمثال والحكم، وكلها في غاية الفصاحة والبلاغة ليس فيها لو ولا ليت.

وأما من نظم الألف وما دونه فكثير جدًّا لا يبلغهم الحصر، وأما (الشاطبية) وما اشتملت عليه من معرفة القراءات السبع واختلافها، وتلك الرموز التي ظاهرها الغزل وباطنها العلم، فكتاب اشتهر وظهر، وخلب سحره الألباب وبهر، وأما أراجيز النحو والعروض والفقه، كالذي نظم الوجيز ومنظومية الحنفية وغير ذلك من الطب وغيره من العلوم، فكثير جدًّا إلى الغاية التي لا يحيط بها الوصف.

هذا ما قاله الصفدي

إذن، ففي أدبنا الفصيح القديم لا وجود لهذا الفن الشعري، ولكنا لدينا مع هذا ما يسمى بالسير الشعبية كسيرة عنترة، وسيرة سيف بن ذي يزن، وسيرة الهلالية، وسيرة ذات الهمة، وسيرة حمزة البهلوان، وسيرة فيروز شاه، وسيرة علي الزيبق، وسيرة أحمد الدنف، وهي تقترب جدًّا من فن الملحمة، فهي قصص وهي شديدة الطول حتى لا تتجاوز سيرة عنترة كمثلًا ثلاثة آلاف صفحة وخمسين، إلا أن هذه السير ليست مصوغة كلها شعرًا، بل هي عمل نثري في المقام الأول تكلل أشعار على ألسنة بعض أبطالها، مع تفاوت في مقدار هذا الشعر بين سيرة وأخرى، ومع هذا لا يصح أن نغفل أنها مصبوبة في قالب السجع، الذي يقترب خطوة من الشعر، أي: أن أسلوب السيرة النثرية ليس خاليًا من النغم هو أيضًا.

كذلك لا يوجد لها مؤلف معين، إذ هي من إبداع المخيلة الشعبية، ولعلنا لم ننس أن الملاحم الأولى الموغلة في القدم هي أيضًا عارية عن أسماء مؤلفيها، بل إن من الدارسين من ينفي أن يكون "هوميروس" هو صاحب "الإلياذة" قائلًا:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015