كما تنشئ المعهد العالي للتمثيل، غير أن الركود يظل جاثمًا على مسارحنا بسبب ظهور السينما. إلا ما كان من مسرح نجيب الريحاني. وتحاول ثورتنا المجيدة النهوض بالمسرح، فيعود ثانية إلى النشاط، وبذلك تُرَدُّ إليه قواه.
وإذا تركنا المسرح إلى التأليف المسرحي وجدناه ينهض نهضة رائعة منذ العقد الرابع من هذا القرن؛ إذ ظهر توفيق الحكيم فوثب به وثبة لم يكن يحلم بها كل من سبقوه، فقد أرسى قواعده في النثر، كما أرسى هذه القواعد شوقي في الشعر، يسعفه في ذلك ثقافة إنسانية واسعة وثقافة مسرحية دقيقة، وتتزواج الثقافتان من روحه المصرية العربية، فإذا لمصر كاتب مسرحي من نوع إنساني بديع.
وتَلْقَى مسرحياته رواجًا واسعًا لما تحتفظ به من أصول الفن المسرحي وما تحتوي من عناصره ومقوماته، فهي أعمال مسرحية تامة، لا يقلد فيها توفيق كاتبًا غربيًّا بعينه؛ بل يستمد من مواهبه ومن بيئته وروحه المصرية العربية. وحقًّا أنه يغلب على شخوصه التفكير الفلسفي التجريدي، ولكن هذا مذهبه، وهو يدل دلالة واضحة على رقي حياتنا العقلية، فقد أصبح لكتابنا أو لبعضهم على الأقل فلسفة تستهوي العقول والقلوب. وتعتمد فلسفة توفيق على الإيمان بقصور العقل والاتجاه نحو الروحيات التي تجري في حياة الشرقيين وأعماق نفوسهم.
وأخذ هذا المجال المسرحي يجذب إليه كثيرين من الجيل الجامعي وغيره، ومن أهم من جذبهم إليه محمود تيمور، وكان يكتب مسرحياته أولًا بالعامية كأخيه محمد، ثم نقل من العامية إلى الفصحى بعض مسرحياته وأنشأ أخرى على اللسان الفصيح من أول الأمر، وهو في أكثر مسرحياته مثل قصصه يُعْنَى بالجوانب الاجتماعية في بيئته، ويمد هذه البيئة فتشتمل الريف وحياة الفلاحين. وقد يستمد في مسرحياته من التاريخ العربي. وهو دائمًا يمسح على عمله بتحليلات نفسية يصور فيها الطبيعة الإنسانية، ومن هنا كان صراع مسرحياته غالبًا يدور بين العقل والغريزة الباطنة.