المصريون اللغات الأجنبية. ومن حينئذ بدأ الاتصال المنظم بين العقل المصري الخالص والعقل الغربي الحديث.
ولكن هذا الاتصال ظل قاصرًا في أول الأمر على النواحي العلمية والفنية التطبيقية. أما النواحي الأدبية فظل فيها الاتصال معدومًا أو كالمعدوم؛ إذ لم تحدث عَلاقة حقيقية بيننا وبين الآداب الغربية. ومن المعروف أن أدب أمة لا يتأثر بآداب أمة أخرى بمجرد التقاء الأمتين؛ بل لا بد من وقت أو أوقات حتى تستطيع الأمة أن تأخذ عن غيرها وتهضم ما تأخذه وتتمثله، ثم تخرجه أدبًا جديدًا له طوابعه وشخصيته.
ولعل في هذا ما يفسر لنا جمود أدبنا في النصف الأول من القرن التاسع عشر وتخلفه وانطواءه على صورته الموروثة، فقد عشنا فيه بعقليتنا القديمة وذوقنا القديم الذي كان يُعْنَى بالسجع والبديع. وقد نشأت عندنا طبقة من كُتاب الدواوين مثل عبد الله فكري، إلا أنها لم تختلف في شيء عن روح كتاب الدواوين المتأخرين مثل القاضي الفاضل وزير صلاح الدين وطبقته، فهي تكتب المنشورات والتقريرات بأسلوب السجع، ولا تكتفي بما فيه من أغلال؛ بل تضيف أغلال الجناس والطباق وغيرهما من أغلال البديع.
وربما كان من أهم أسباب هذا الجمود أن مصر لم تكن تشعر بوجودها شعورًا محققًا؛ بل لقد عُنِي محمد علي بكبت هذا الشعور، وربما كان أهم مظهر لذلك أنه كان يستعين في المناصب الكبرى بطبقة من الأتراك، ولم يكن يسمح للمصريين بتولي هذه المناصب؛ بل لقد كان يحكمهم حكمًا مستبدًّا، ليس فيه شورى ولا ما يشبه الشورى.
فظل الشعب بعيدًا، وظلت لغته معه متخلفة لا تتطور؛ إذ لم يكن هناك بواعث سياسية ولا قومية تدفعها إلى هذا التطور؛ بل لقد كان الحاكم يقدِّم عليها اللغة التركية في دواوينه ومنشوراته وما يطبع من كتب وآثار في مطبعة بولاق؛ بل لقد كان التحدث بها بين طلاب المدارس سُبَّةً حتى عهد عباس الأول، فالشيخ المهدي يقول في مذكرات الأدب التي طبعها لتلامذة القضاء