وَأَمَّا التَّثَبُّتُ وَالتَّخَيُّرُ: فَإِنَّ الطَّلَبَ لاَ يَنْفَعُ إِلاَّ مَعَهُ وَبِهِ. فَكَمْ مِنْ طَالِبِ رَُشَْدٍ وَجَدَهُ وَالْغَيَّ مَعًا، فَاصْطَفَى مِنْهُمَا الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَأَلْغَى الَّذِي إِلَيْهِ سَعَى.
فَإِذَا كَانَ الطَّالِبُ يَحْوِي غَيْرَ مَا يُرِيدُ وَهُوَ لاَ يَشُكُّ بِالظَّفَرِ؛ فَمَا أَحَقَّهُ بِشِدَّةِ التَّبْيينِ وَحُسْنِ الابْتِغَاءِ!
وَأَمَّا اعْتِقَادُ الشَّيْءِ بَعْدَ اسْتِبَانَتِهِ: فَهُوَ مَا يُطْلَبُ مِنْ إِحْرَازِ الْفَضْلِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ.
وَأَمَّا الْحِفْظُ وَالتَّعَهُدُّ: فَهُوَ تَمَامُ الدَّرَْكِ (?)؛ لأَنَّ الْإِنْسَانَ مُوَكَّلٌ بِهِ النِّسْيَانُ وَالْغَفْلَةُ، فَلاَ بُدَّ لَهُ إِذَا اجْتَبَى صَوَابَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مِنْ أَنْ يَحْفَظَهُ عَلَيْهِ ذِهْنُهُ لِأَوَانِ حَاجَتِهِ.
وَأَمَا الْبَصَرُ بِالْمَوْضِعِ: فَإِنَّمَا تَصِيرُ الْمَنَافِعُ كُلُّهَا إِلَى وَضْعِ الْأَشْيَاءِ مَوَاضِعَهَا، وَبِنَا إِلَى هَذَا كُلِّهِ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ. فَإِنَّنَا لَمْ نُوضَعْ فِي الدُّنْيَا مَوْضِعَ غِنىً وَخَفْضٍ (?) وَلَكِنْ مَوْضِعَ فَاقَةٍ وَكَدٍّ (?)، وَلَسْنَا إِلَى مَا يُمْسِكُ بِأَرْمَاقِنَا (?) مِنْ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ بِأَحْوَجَ مِنَّا إِلَى مَا يُثْبِتُ عُقُولَنَا مِنَ الْأَدَبِ الَّذِي بِهِ تَفَاوُتُ الْعُقُولِ. وَلَيْسَ غِذَاءُ الطَّعَامِ بِأَسْرَعَ فِي نَبَاتِ الْجَسَدِ مِنْ غِذَاءِ الْأَدَبِ فِي نَبَاتِ الْعَقْلِ. وَلَسْنَا بِالْكَدِّ فِي طَلَبِ الْمَتَاعِ الَّذِي يُلْتَمَسُ بِهِ دَفْعُ الضَّرَرِ وَالْغَلَبَةُ بِأَحَقَّ مِنَّا بِالْكَدِّ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ الَّذِي