النبي صلّى الله عليه وسلم يوجه المسلمين في المجتمع الجديد، وفيه يتدارس مع المسلمين الأمور الطارئة ويتخذ القرارات المناسبة (?) ، ولا يخفى أن المسجد كان مكانا للشورى؛ إذ يجتمع الناس في المسجد فيستشيرهم رسول الله في القضايا التي تستجد على الساحة الإسلامية؛ إذ إن استشارة المسلمين في أحد والخندق كانت تتم في المسجد (?) وكان المسجد أيضا مكانا لفض المنازعات، ففيه يقضي النبي صلّى الله عليه وسلم بين المسلمين، ومنه تنطلق الجيوش وتستقبل الوفود، ومنه ينطلق الرسل إلى الملوك والرؤساء وجباة الضرائب (?) ، وكان كذلك دار ندوة للجماعة الإسلامية تبحث فيها جميع شؤونها، أضف إلى ذلك دوره في القيام بالمهمة الروحية فهو مركز عبادة للمسلمين من صلاة وذكر، وغير ذلك.

لقد كان بناء المسجد خطوة تنظيمية مهمة قدمت على غيرها من خطوات إدارية تالية ومن خلال الصلاة بروحها الجماعية استطاع الإسلام أن يصل إلى درجة كبيرة من إذابة روح العصبية القبلية، وربط الناس بالمبدأ الجديد وفق أحكام جديدة تقوم على العقيدة والأخوة لا على رابطة الدم والقرابة (?) .

وقام المسجد في بقية أجزاء الدولة بنفس هذا الدور؛ إذ لم يوجد مقر اخر للحكم والإدارة طول حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم (?) وبذلك يكون المسجد أول مركز للإدارة في الإسلام (?) .

إن الأمر الاخر الذي اهتم به النبي صلّى الله عليه وسلم وكان إجراء إداريّا ضروريّا في هذه المرحلة هو «المؤاخاة» فأشارت المصادر إلى ذلك، فقال ابن إسحاق (ت 151 هـ) : «واخى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال: «تاخوا في الله أخوين أخوين» ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب (ت 39 هـ) فقال: «هذا أخي» ، وهكذا تاخى الصحابة اثنين اثنين» (?) . لقد كانت هذه المؤاخاة ضرورية لإذهاب الوحشة والغربة عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015