الذين يرجع إليهم اليهود في كل قضاياهم السياسية والإدارية والقضائية (?) . وقد أشارت الاية القرانية إلى ذلك فقال تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة: 31] (?) . ويبدو أن هؤلاء الأحبار كانوا يرهقون الناس بأخذهم الأموال مقابل المعاملات التي يقومون بها من زواج وطلاق وقضاء وغيرها، فقال الله تعالى ينعي عليهم ذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ [التوبة: 34] (?) .
ولعلنا لا نبتعد عن الحقيقة إن قلنا: إن الإدارة عند اليهود كانت إدارة دينية بحتة يقوم بها الأحبار ورجال الدين اليهودي.
أما الإدارة المدنية عند العرب الذين نزلوا بجانب اليهود، فكانت قد نظمت بأن انقسمت يثرب إلى دوائر زراعية (?) ، كل دائرة تابعة لبطن من البطون، وكل بطن من البطون الكبيرة يضم طائفة من البطون الصغيرة، يشرف عليها شيخ كل بطن من البطون، كما أشار إلى ذلك السمهودي (ت 1011 هـ) في كتابه (?) .
ومع الوقت أصبح هناك شبه توازن في نظام الحكم بين بطون يثرب الكبيرة، فكانت كل البطون تثور إذا أراد بطن كبير أن يستأثر بالنفوذ (?) ، إذ إن إقامة نوع من الحكم يهيمن على الشؤون العامة لم يكن ممكنا، فلم تذكر الروايات أن أهل يثرب قد خضعوا لرئيس واحد، ويبدو أن الحروب التي قامت بين الأوس والخزرج كانت نتيجة لهذا التنافس القبلي على الرياسة، واحتلال مركز الصدارة في يثرب (?) . ولعل اليهود كان لهم الدور الأكبر في إثارة هذه النزاعات.