وأهم هذه الوظائف وظيفة «الرفادة» ، فقد فرض قصي على قريش خرجا تخرجه من أموالها، وتدفعه إليه، فيصنع به طعاما يقدمه للحجاج في أيام عرفات ومنى، على اعتبار أن الحجاج هم ضيوف الله (?) ، فقال لهم كما يروي ابن إسحاق (ت 151 هـ) «يا معشر قريش، إنكم جيران الله، وأهل بيته، وأهل الحرم، وإن الحجاج ضيف الله، وزوّار بيته، وهم أحق الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج، يصدروا عنكم، ففعلوا» (?) . ويدل هذا العمل على حكمة قصي؛ لأن إمداد الحجاج بالطعام يدعوهم إلى القدوم إلى مكة، ويكسب سكان الحرم وأهله احتراما وتقديرا لدى القبائل الضاربة في أعمال البوادي، والنازلة على خطوط القوافل وطرقها، وظهر هذا الكلام في شعر الأعراب الذين مدحوا قصيّا فقالوا: -
اب الحجيج طاعمين دسما ... أشبعهم زبد قصي لحما (?)
ولبنا محضا وخبزا هشما
لقد أفاضت المصادر في ذكر فضائل هاشم وكرمه؛ إذ اشتهرت هذه الوظيفة في زمنه (?) ، فكان يطعمهم الخبز والثريد، فقال الشاعر يمدحه ويصف كرمه:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... قوم بمكة مسنتين عجاف
سنت إليه الرحلتان كلاهما ... سفر الشتاء ورحلة الأصياف (?)
ويظهر أن الذي كان يتولى الرفادة من بني هاشم هم الأغنياء؛ لأنها تحتاج إلى مال وثروة، فوليها المطلب بن هاشم، ومن بعده عبد المطلب، فأقامها للناس، وشرف في قومه، فكانت هذه الوظيفة في نسله، فوليها العباس بن عبد المطلب «ت 32 هـ» ، وظهر الإسلام وهو على ذلك، فأقره رسول الله صلّى الله عليه وسلم (?) .