الفصل السادس إدارة شؤون القضاء
لم يكن للمسلمين في حاضرة الدولة (المدينة) قاض سوى النبي صلّى الله عليه وسلم؛ إذ إنه تولى القضاء بنفسه، وولاه- أحيانا- غيره من الصحابة في حضرته، ليعلمهم كيفية القضاء بين الناس وأصوله حتى يقوموا بهذا الدور في حال غيابه أو وفاته، أو من أجل تدريبهم واختبارهم قبل إرسالهم للقضاء في أمصار الدولة المختلفة.
ذكر الحاكم (ت 405 هـ) أنه أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلم خصمان، فقال لعمر بن الخطاب:
«اقض بينهما» (?) ؛ ولذلك قال عثمان بن عفان (ت 35 هـ) لعبد الله بن عمر (ت 73 هـ) في خلافته: «اذهب فاقض بين الناس، قال: أو تعافني يا أمير المؤمنين؟
قال: وما تكره من ذلك وقد كان أبوك يقضي على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ... » (?)
وذكر معقل بن يسار (ت 65 هـ) قال: «أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن أقضي وقال: إن الله مع القاضي ما لم يجف عمدا» (?) ويروي الدارقطني (ت 385 هـ) : أن قوما اختصموا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم في خص (بيت من قش) كان بينهم، فبعث حذيفة يقضي بينهم فقضى للذين يليهم معاقد القمط (ما تشد به الأخصاص وغيرها) ، فلما رجع إلى النبي صلّى الله عليه وسلم أخبره فقال: «أصبت وأحسنت» (?) واستقضى النبي صلّى الله عليه وسلم عقبة بن عامر الجهني في خصومة معينة، فقد روى أحمد (ت 241 هـ) قال: جاء خصمان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يختصمان فقال: «قم يا عقبة اقض بينهما» ، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أنت أولى بذلك قال: «وإن كان اقض بينهما» (?) وكان هؤلاء الذين قضوا في حضرة النبي صلّى الله عليه وسلم في حادثة أو أكثر كانت ولاية أحدهم تنتهي بالفصل في هذه الحادثة.