لقد كانت حاجة الدعوة الإسلامية في مكة للمال بسيطة، ومن ثمّ لم يكن لها نظام مالي محدد بإيرادات معينة، وأوجه إنفاق محددة، وتمثلت هذه الاحتياجات في إعانة الفقراء والمحتاجين، أو شراء أولئك العبيد المستضعفين المؤمنين لإنقاذهم من عنت قريش وزعمائها «1» ، في حين كانت أحداث المحاصرة في الشعب تزيد من التلاحم المادي والمعنوي بين هذا العدد القليل من المؤمنين «2» ، وكان صاحب الرسالة صلّى الله عليه وسلم ينفق من مال خديجة (ت 3 ق. هـ) رضي الله عنها «3» .
وكانت الايات المكية توجه المسلمين إلى إيجاد روح التكافل بينهم، وترد بذلك إشارات في قوله تعالى: وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات: 19] ، وقوله:
وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج: 24، 25] «4» .
ويرد في الايات المكية إشارات قليلة عن بداية وجوب تنظيم استخدام المال، فقال تعالى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم: 39] ، وهذا يشير إلى بداية تحريم الربا، ووجوب الصدقة، والتي نزلت أحكامها مفصلة في الايات المدنية فيما بعد.
وتعدّ الهجرة إلى المدينة بداية نشوء التنظيمات المختلفة للدولة الجديدة، ومن ضمنها نشأت التنظيمات المالية التي يتطلبها الوضع الجديد.
كان المسلمون في بداية الهجرة يمولون دعوتهم من تبرعاتهم الخاصة، فتذكر المصادر