وَالشَّرَابُ الْغَلِيظُ الْحُلْوُ وَالْمُصَدِّعَةُ وَالْكُسْفُرَةُ وَالْفُجْلُ وَالْخَسُّ وَالْعَدَسُ وَالنَّوْمُ عَلَى الْقَفَا وَالنَّظَرُ إلَى الضَّوْءِ الْكَثِيرِ فَإِنَّهُ يُشَتِّتُ الْبَصَرَ وَإِلَى الظُّلْمَةِ الْكَثِيرَةِ فَإِنَّهَا تُطْفِئُ الْقُوَّةَ الْبَاصِرَةَ وَالْبُكَاءُ وَاسْتِقْبَالُ رِيحٍ بَارِدَةٍ وَالْغُبَارُ وَالدُّخَانُ وَالسَّهَرُ وَالتَّعَبُ وَالْمَالِحَةُ كَالتَّمْرِ وَالسَّمَكِ لَا سِيَّمَا الْمَالِحِ مِنْهُ وَكَذَا الْقَيْءُ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ فَيَرْفُقُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: وَيَعْصِبُ عَيْنَيْهِ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ فِي الِاسْتِفْرَاغَاتِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحِجَامَةِ.
وَالدَّارَصِينِيُّ وَالسَّذَابُ، وَالزَّنْجَبِيلُ يَحِدُّ الْبَصَرَ أَكْلًا وَكُحْلًا وَالْقُرُنْفُلُ يَحِدُّ الْبَصَرَ وَالْفِلْفِلُ يَنْفَعُ مِنْ ظُلْمَةِ الْبَصَرِ وَالدَّمْعَةِ وَالْعَسَلُ يُقَوِّي السَّمْعَ وَيَجْلُو ظُلْمَةَ الْبَصَرَ وَالِاكْتِحَالُ بِمَاءِ الرازيانج عَلَى الدَّوَامِ يَحْفَظُ صِحَّةَ الْعَيْنِ، قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ وَغَيْرُهُ: هُوَ يَحِدُّ الْبَصَرَ وَخُصُوصًا مَضْغُهُ، وَالِاكْتِحَالُ بِالْحَضَضِ يَحْفَظُ صِحَّةَ الْعَيْنِ وَقُوَّتَهَا، وَكَذَلِكَ الْهَلِيلَجُ إذَا أُخِذَ عَلَى الْمِسَنِّ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَدُلِّكَ الْأَعْضَاءُ السُّفْلَى مَعَ الرِّيَاضَةِ فَإِنَّ بِذَلِكَ تَنْحَطُّ الْبُخَارَاتُ الصَّاعِدَةُ إلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ، وَقَدْ يَنْفَعُ فِي ذَلِكَ الْغَوْصُ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ وَالتَّحْدِيقُ فِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْمَعُ الْقُوَّةَ الْبَاصِرَةَ، وَتَعَاهُدُ قِرَاءَةِ الْكُتُبِ غَيْرِ الدَّقِيقَةِ وَحَمْلُهَا عَلَى اسْتِخْرَاجِ الدَّقِيقَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.
قَالَ جَالِينُوسُ: وَالْخَسُّ يَجْلُو الْبَصَرَ الْمُظْلِمَ، وَيُحْدِثُ فِي الصَّحِيحِ ظُلْمَةً وَمِنْ الْمَعْلُومِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ غَالِبًا بِبَلَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ يَتَكَلَّفُ مَفْقُودًا، وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ مَوْجُودٍ اشْتَهَاهُ، فَحَبْسُ النَّفْسِ وَقَسْرُهَا عَلَى مُطْعَمٍ أَوْ مَشْرُوبٍ خِلَافُ عَادَتِهِ.
وَذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَوَّدَ شَيْئًا وَيُلَازِمَهُ وَلَا النَّوْمَ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ نَفْسَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلَوْ بِالتَّدْرِيجِ إنْ كَانَ أَلِفَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّهُ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ فَيَنْضَرُّ بِتَرْكِهِ وَيَحْمِلُ نَفْسَهُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَشْتَهِيه ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ، وَلِهَذَا «لَمْ يَأْكُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الضَّبَّ الْمَشْوِيَّ، وَقِيلَ لَهُ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» .
" وَأَكَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَلَمْ يَمْنَعْ مَنْ اشْتَهَاهُ وَأَكَلَهُ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا قَطُّ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.