وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ يُخَافُ مِنْ الْإِكْثَارِ مِنْ الْغِذَاءِ النَّافِعِ، وَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مِنْهُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُفُّ عَنْهُ وَهُوَ يَمِيلُ إلَيْهِ فَلَا يَمِيلُ بِالْكُلِّيَّةِ وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أَصْلُ كُلِّ دَاءٍ الْبَرَدَةُ " الْبَرَدَةُ بِالتَّحْرِيكِ التُّخَمَةُ وَثِقَلُ الطَّعَامِ عَلَى الْمَعِدَةِ. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُبَرِّدُ الْمَعِدَةَ فَلَا تَسْتَمْرِئُ الطَّعَامَ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْمَعِدَةُ لِلْإِنْسَانِ بِمَنْزِلَةِ الْكِرْشِ لِكُلِّ مُجْتَرٍّ، وَيُقَالُ: مِعْدَةٌ وَمَعِدَةٌ.
وَلْيُجْتَهَدْ فِي الْعِلَاجِ بِأَلْطَفِ الْغِذَاءِ الْمُعْتَادِ لِذَلِكَ الْمَرِيضِ؛ وَلِهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّهَا كَانَتْ إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا اجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إلَى أَهْلِهِنَّ، أَمَرَتْ بِبُرْمَةِ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ وَصُنِعَتْ ثَرِيدًا ثُمَّ صَبَّتْ التَّلْبِينَةَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَتْ: كُلُوا مِنْهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «التَّلْبِينَةُ مَجَمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحَزَنِ» وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «عَلَيْكُمْ بِالْبَغِيضِ النَّافِعِ» يَعْنِي الْحَسَاءَ. قَالَتْ: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اشْتَكَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ لَمْ تَزَلْ الْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ حَتَّى يَنْتَهِيَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ يَعْنِي يَبْرَأُ أَوْ يَمُوتُ» . وَلِلْبُخَارِيِّ أَوَّلُهُ مِنْ قَوْلِهَا: وَعَنْهَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قِيلَ لَهُ: إنَّ فُلَانًا وَجِعٌ لَا يَطْعَمُ الطَّعَامَ، قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالتَّلْبِينَةِ فَحَسُّوهُ إيَّاهَا وَيَقُولُ: فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهَا تَغْسِلُ بَطْنَ أَحَدِكُمْ كَمَا تَغْسِلُ إحْدَاكُنَّ وَجْهَهَا مِنْ الْوَسَخِ.» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَخَذَ أَهْلَهُ الْوَعْكُ أَمَرَ بِالْحَسَاءِ فَصُنِعَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَحَسَوْا مِنْهُ، وَكَانَ يَقُولُ: إنَّهُ لَيَرْتُو فُؤَادَ الْحَزِينِ وَيَسْرُو عَنْ فُؤَادِ السَّقِيمِ كَمَا تَسْرُو إحْدَاكُنَّ الْوَسَخَ بِالْمَاءِ عَنْ وَجْهِهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
وَفِيهِ أَمَرَهُمْ بِالْحَسَاءِ مِنْ الشَّعِيرِ. يُقَالُ: رَتَاهُ يَرْتُوهُ أَيْ يَشُدُّهُ وَيُقَوِّيهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَيُرَادُ أَيْضًا إرْخَاؤُهُ وَأَوْهَاهُ، وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ، وَيُقَالُ: سَرَوْتُ الثَّوْبَ عَنِّي سَرْوًا إذَا أَلْقَيْتَهُ عَنْكَ وَسَرَيْتُ لُغَةً: مَجَمَّةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ، وَيُقَالُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مَعْنَاهُ مُرِيحَةٌ لَهُ مِنْ الْإِجْمَامِ وَهِيَ الرَّاحَةُ، وَالتَّلْبِينَةُ وَالتَّلْبِينُ بِفَتْحِ التَّاءِ