اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: هَذَا الْحَدِيثُ بَاطِلٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ يُحْتَاجُ إلَى إجْبَارِ الْمَرِيضِ عَلَى طَعَامٍ وَشَرَابٍ فِي أَمْرَاضٍ مَعَهَا اخْتِلَاطُ الْعَقْلِ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَخْصُوصًا أَوْ مُقَيَّدًا. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَرِيض يَعِيشُ بِلَا غِذَاءٍ أَيَّامًا، لَا يَعِيشُ الصَّحِيحُ فِي مِثْلِهَا. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ بِنَحْوِهِ، وَفِي قَوْلِهِ: " فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ " مَعْنًى لَطِيفٌ يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ عِنَايَةٌ بِأَحْكَامِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ وَتَأْثِيرِهَا فِي طَبِيعَةِ الْبَدَنِ وَانْفِعَالِ الطَّبِيعَةِ عَنْهَا كَمَا تَنْفَعِلُ هِيَ كَثِيرًا عَنْ الطَّبِيعَةِ، فَالنَّفْسُ إذَا اشْتَغَلَتْ بِمَحْبُوبٍ أَوْ مَكْرُوهٍ اشْتَغَلَتْ بِهِ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، بَلْ وَعَنْ غَيْرِهِمَا فَإِنْ كَانَ مُفْرِحًا قَوِيَّ التَّفْرِيحِ قَامَ لَهَا مَقَامَ الْغِذَاءِ؛ فَشَبِعَتْ بِهِ وَانْتَعَشَتْ قُوَاهَا وَتَضَاعَفَتْ وَجَرَتْ الدَّمَوِيَّةُ فِي الْجَسَدِ حَتَّى تَظْهَرَ فِي سَطْحِهِ فَإِنَّ الْفَرَحَ يُوجِبُ انْبِسَاطَ دَمِ الْقَلْبِ فَيَنْبَعِثُ فِي الْعُرُوقِ فَتَمْتَلِئُ بِهِ.
وَالطَّبِيعَةُ إذَا ظَفِرَتْ بِمَا تُحِبُّ آثَرَتْهُ عَلَى مَا هُوَ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا وَنَحْوَهُ اشْتَغَلَتْ بِمُحَارَبَتِهِ أَوْ مُقَاوَمَتِهِ وَمُدَافَعَتِهِ عَنْ طَلَبِ الْغِذَاءِ، فَإِنْ ظَفِرَتْ فِي هَذِهِ الْحَرْبِ انْتَعَشَتْ قُوَاهَا، وَأَخْلَفَتْ عَلَيْهَا نَظِيرَ مَا فَاتَهَا مِنْ قُوَّةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَإِلَّا انْحَطَّ مِنْ قُوَاهَا بِحَسَبِ مَا حَصَلَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْحَرْبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَذَا الْعَدُوِّ سِجَالًا، فَالْقُوَّةُ تَظْهَرُ تَارَةً وَتَخْتَفِي أُخْرَى، فَالْمَرِيضُ لَهُ مَدَدٌ مِنْ اللَّهِ يُغَذِّيه بِهِ زَائِدٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ تَغْذِيَتِهِ بِالدَّمِ، وَهَذَا الْمَدَدُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ قُرْبِ الشَّخْصِ مِنْ رَبِّهِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوَاصِلُ الصَّوْمَ وَيَقُولُ: لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» . وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْخَوْفُ مَنَعَنِي الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فَمَا أَشْتَهِيهِ.
وَكَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَلِيلَ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَيُنْشِدُ كَثِيرًا.
لَهَا أَحَادِيثُ مِنْ ذِكْرَاكَ تَشْغَلُهَا ... عَنْ الشَّرَابِ وَتُلْهِيهَا عَنْ الزَّادِ