وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: «وَإِذَا طَنَّتْ أُذُنُهُ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلْيَقُلْ ذَكَرَ اللَّهُ مَنْ ذَكَرَنِي بِخَيْرٍ» ؛ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى كَلَامُهُ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْمَلُ هَذَا، وَهَذَا الْخَبَرُ مَوْضُوعٌ أَوْ ضَعِيفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ هَذَا وَلَا الَّذِي قَبْلَهُ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ شَرْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ»
؛ لِأَنَّ الْعُطَاسَ يَدُلّ عَلَى خِفَّةِ بَدَنٍ وَنَشَاطٍ وَالتَّثَاؤُبَ غَالِبًا لِثِقَلِ الْبَدَنِ وَامْتِلَائِهِ وَاسْتِرْخَائِهِ فَيَمِيلُ إلَى الْكَسَلِ فَأَضَافَهُ إلَى الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّهُ يُرْضِيهِ أَوْ مِنْ تَسَبُّبِهِ لِدُعَائِهِ إلَى الشَّهَوَاتِ وَيَقُولُ مَنْ سَمِعَ الْعَاطِسَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَوْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ وَيَقُول هُوَ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، وَفِي الرِّعَايَةِ وَزَادُوا {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: 6] أَوْ يَقُول: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، وَقِيلَ: بَلْ يَقُولُ: مِثْلَ مَا قِيلَ: لَهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا عَطَسَ فَقِيلَ: لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ: يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ، وَيَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ رَوَاهُ مَالِكٌ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: التَّشْمِيتُ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ، وَهَذَا مَعْنَى مَا نَقَلَ غَيْرُهُ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وُجُوهٍ.
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْعَاطِسُ وَإِنْ كَانَ الْمُشَمِّتُ كَافِرًا فَيَقُولُ: آمِينَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَإِنْ قَالَ الْمُشَمِّتُ الْمُسْلِمُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ فَحَسَنٌ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ، وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ إلَّا قَوْلَهُ: وَإِنْ كَانَ الْمُشَمِّتُ كَافِرًا. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَفْظَانِ (أَحَدُهُمَا) يَهْدِيكُمْ اللَّهُ.
(وَالثَّانِي) يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ. كَذَا قَالَ: وَصَوَابُهُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ الْقَاضِي: وَيَخْتَارُ أَصْحَابُنَا يَهْدِيكُمْ اللَّهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يُدِيمُ اللَّهُ هُدَاكُمْ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَلَا يُسْتَحَبُّ تَشْمِيتُ الْكَافِرِ فَإِنْ شَمَّتَهُ أَجَابَهُ بِآمِينَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ فَإِنَّهَا دَعْوَةٌ تَصْلُحُ لِلْمُسْلِمِ