ِ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: قَدْ نَدَبَ اللَّهُ إلَى الدُّعَاءِ وَفِيهِ مَعَانٍ: الْوُجُودُ وَالْغِنَى وَالسَّمْعُ وَالْكَرَمُ وَالرَّحْمَةُ وَالْقُدْرَةُ، فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ لَا يُدْعَى، وَمَنْ يَقُولُ بِالطَّبَائِعِ يَعْلَمُ أَنَّ النَّارَ لَا يُقَالُ لَهَا كُفِّي، وَلَا النَّجْمُ لَا يُقَالُ لَهُ أَصْلِحْ مِزَاجِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ عِنْدَهُمْ مُؤَثِّرَةٌ طَبْعًا لَا اخْتِيَارًا، فَشَرَعَ الدُّعَاءَ وَالِاسْتِسْقَاءَ لِيُبَيِّنَ كَذِبَ أَهْلِ الطَّبَائِعِ وَقَالَ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} [الحجر: 21] .
حَتَّى لَا يُطْلَبَ إلَّا مِنْهُ، ثُمَّ أَحَبَّ أَنْ يُظْهِرَ جَوَاهِرَ أَهْلِ الِابْتِلَاءِ فَقَالَ لِذَا اذْبَحْ وَلَدَك، وَقَرَنَ هَذَا بِالْبَلَاءِ لِيَحْمِلَهُمْ عَلَى الدُّعَاءِ وَاللَّجَاءِ.
وَقَالَ أَيْضًا فِي الْفُنُونِ: تَسْتَبْطِئُ الْإِجَابَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِأَدْعِيَتِك فِي أَغْرَاضِك الَّتِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَاطِنِهَا الْمَفَاسِدُ فِي دِينِك وَدُنْيَاك، وَتَتَسَخَّطُ بِإِبْطَاءِ مُرَادِك مَعَ الْقَطْعِ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَمْنَعُك شُحًّا وَلَا بُخْلًا وَلَا نِسْيَانًا، وَقَدْ شَهِدَ لِصِحَّةِ ذَلِكَ مُرَاعَاتُهُ لَك.
وَلَا لِسَانَ يَنْطِقُ بِدُعَاءٍ، وَلَا أَرْكَانَ لِعَبْدِهِ، وَلَا قُوَّةً تَتَحَرَّك بِهَا فِي طَاعَةٍ مِنْ طَاعَاتِهِ، فَكَيْفَ وَجُمْلَتُك وَأَبْعَاضُك وَقْفٌ عَلَى خِدْمَتِهِ، وَلِسَانُك رَطْبٌ بِأَذْكَارِهِ؟ لَكِنْ إنَّمَا أُخِّرَ رَحْمَةً لَك وَحِكْمَةً وَمَصْلَحَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ إلَيْك بِذَلِكَ تَقْدِمَةً، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] .
وَأَنْتَ الْعَبْدُ الْمُحْتَاجُ تَتَخَلَّفُ عَنْ أَكْثَرِ أَوَامِرِهِ، وَلَا تَسْتَبْطِئُ نَفْسَك فِي أَدَاءِ حُقُوقِهِ. هَلْ هَذَا إنْصَافٌ أَنْ يَكُونَ مِثْلُك يُبْطِئُ عَنْ الْحُقُوقِ وَلَا تُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِك، ثُمَّ تَسْتَبْطِئُ الْحَكِيمَ الْأَزَلِيَّ الْخَالِقَ فِي بَابِ الْحُظُوظِ الَّتِي لَا تَدْرِي كَيْفَ حَالُك فِيهَا هَلْ طَلَبُهَا عَطَبٌ وَهَلَاكٌ، أَوْ غِبْطَةٌ وَصَلَاحٌ.