وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ السِّرَّ مَا أَسْرَرْته فِي نَفْسِك وَلَمْ تُبْدِهِ إلَى أَحَدٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مَا اسْتَوْدَعْت رَجُلًا سِرًّا فَأَفْشَاهُ فَلُمْته لِأَنِّي كُنْت أَضْيَقَ صَدْرًا مِنْهُ حَيْثُ اسْتَوْدَعْته إيَّاهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْقَائِلُ:
إذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ ... فَصَدْرُ الَّذِي يُسْتَوْدَعُ السِّرَّ أَضْيَقُ
وَأَنْشَدَ بَعْضُ الْأَعْرَابِ:
وَلَا أَكْتُمُ الْأَسْرَارَ لَكِنْ أَبُثُّهَا ... وَلَا أَدَعُ الْأَسْرَارَ تَقْتُلُنِي غَمَّا
وَإِنَّ سَخِيفَ الرَّأْيِ مَنْ بَاتَ لَيْلَةً ... حَزِينًا بِكِتْمَانٍ كَأَنَّ بِهِ حُمَّى
وَفِي بَثِّك الْأَسْرَارَ لِلْقَلْبِ رَاحَةٌ ... وَتَكْشِفُ بِالْإِفْشَاءِ عَنْ قَلْبِك الْهَمَّا
وَقَالَ آخَرُ:
وَلَا أَكْتُمُ الْأَسْرَارَ لَكِنْ أُذِيعُهَا ... وَلَا أَدَعُ الْأَسْرَارَ تَغْلِي عَلَى قَلْبِي
وَإِنَّ ضَعِيفَ الْقَلْبِ مَنْ بَاتَ لَيْلَةً ... تُقَلِّبُهُ الْأَسْرَارُ جَنْبًا عَلَى جَنْبِ
وَكَانَ يُقَالُ لَا تُطْلِعُوا النِّسَاءَ عَلَى سِرِّكُمْ، يَصْلُحُ لَكُمْ أَمْرُكُمْ وَكَانَ يُقَالُ كُلُّ شَيْءٍ تَكْتُمُهُ عَنْ عَدُوِّك فَلَا تُظْهِرْ عَلَيْهِ صَدِيقَك.
قَالَ الشَّاعِرُ:
إذَا كَتَمَ الصَّدِيقُ أَخَاهُ سِرًّا ... فَمَا فَضْلُ الْعَدُوِّ عَلَى الصَّدِيقِ
وَقَالَ آخَرُ:
أُدَارِي خَلِيلِي مَا اسْتَقَامَ بِوُدِّهِ ... وَأَمْنَحُهُ وُدِّي إذَا يَتَجَنَّبُ
وَلَسْت بِبَادٍ صَاحِبِي بِقَطِيعَةٍ ... وَلَا أَنَا مُبْدٍ سِرَّهُ حِينَ يَغْضَبُ
وَقَالَ آخَرُ:
إذَا مَا ضَاقَ صَدْرُك عَنْ حَدِيثٍ ... فَأَفْشَتْهُ الرِّجَالُ فَمَنْ تَلُومُ