الْأَرْضَ مِنْهُ فَمُهُ وَذَلِكَ لَا يُجْزِئُ فِي السُّجُودِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَهَذَا لَا يُفْعَلُ غَالِبًا إلَّا لِلدُّنْيَا، وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِانْحِنَاءُ مُسَلِّمًا وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيُّ الْحَنْبَلِيُّ الْمَشْهُورُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: 100] .
أَنَّهُمْ سَجَدُوا لِيُوسُفَ إكْرَامًا وَتَحِيَّةً، وَأَنَّهُ «كَانَ يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِذَلِكَ وَبِالِانْحِنَاءِ فَحَظَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ الْخَبَرَ الْآتِي أَيَنْحَنِي لَهُ قَالَ: لَا» ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَلَمْ يُخَالِفْهُ فَدَلَّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ فَهَذِهِ ثَلَاثُ أَقْوَالٍ.
وَجَزَمَ فِي كِتَابِ الْهَدْي بِتَحْرِيمِ السُّجُودِ وَالِانْحِنَاءِ وَالْقِيَامِ عَلَى الرَّأْسِ وَهُوَ جَالِسٌ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ فَالْتَفَتَ إلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْنَا فَقَعَدْنَا فَصَلَّيْنَا بِصَلَاتِهِ قُعُودًا. فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: إنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ، فَلَا تَفْعَلُوا ائْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُمْ إنْ صَلَّوْا قِيَامًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِنْ صَلَّوْا قُعُودًا فَصَلُّوا قُعُودًا» ؛ فَهَذَا نَهْيٌ، وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ لَا سِيَّمَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا خَلْفَ قَاعِدٍ، وَاحْتَجُّوا بِهَذَا النَّهْي.
وَقَالَ الْحَافِظُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ الْأَخْضَرِ فِيمَنْ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُثَنَّى أَبُو جَعْفَرٍ الْبَزَّارُ قَالَ: أَتَيْت ابْنَ حَنْبَلٍ فَجَلَسْت عَلَى بَابِهِ أَنْتَظِرُ خُرُوجَهُ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْت إلَيْهِ فَقَالَ لِي أَمَا عَلِمْت أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» فَقُلْت: إنَّمَا قُمْت إلَيْك، فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُهُ، وَمَدْلُولُ هَذَا وَاضِحٌ فَإِنَّ النَّهْيَ دَلَّ عَلَى الْقِيَامِ لَهُ، وَمَنْ قَامَ إلَيْهِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّهْيُ مَعَ أَنَّ النَّهْيَ لِمَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ وَسَبَقَ الْكَلَامُ فِي الْقِيَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْدَ فُصُولِ السَّلَامِ (فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الْقِيَامِ) .
وَيُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْفَمِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ أَنْ يَقَعَ كَرَامَةً، وَنَزْعُ يَدِهِ مِنْ يَدِ مَنْ صَافَحَهُ