الْبَرِّ وَقَدْ يَكُونُ غَرِيزَةً، وَاسْتِعْمَالُهُ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إلَى كَسْبٍ وَنِيَّةٍ وَعِلْمٍ وَإِنْ حَلَّ شَيْءٌ عَلَى تَرْكِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْإِخْلَالِ بِحَقٍّ فَهُوَ عَجْزٌ وَمَهَانَةٌ، وَتَسْمِيَتُهُ حَيَاءً مَجَازٌ. وَحَقِيقَةُ الْحَيَاءِ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى فِعْلِ الْحَسَنِ وَتَرْكِ الْقَبِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْحَيَاءُ نِظَامُ الْإِيمَانِ فَإِذَا انْحَلَّ النِّظَامُ ذَهَبَ مَا فِيهِ، وَفِي التَّفْسِيرِ: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [الأعراف: 26] .
قَالُوا الْحَيَاءُ وَقَالُوا الْوَقَارُ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ الْوَقَارَ فَقَدْ وَسَمَهُ بِسِيمَا الْخَيْرِ وَقَالُوا مَنْ تَكَلَّمَ بِالْحِكْمَةِ لَاحَظَتْهُ الْعُيُونُ بِالْوَقَارِ وَقَالَ الْحَسَنُ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ كَامِلًا، وَمَنْ تَعَلَّقَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَانَ مِنْ صَالِحِي قَوْمِهِ دِينٌ يُرْشِدُهُ، وَعَقْلٌ يُسَدِّدُهُ، وَحَسَبٌ يَصُونُهُ، وَحَيَاءٌ يَقُودُهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَحِمَ اللَّهُ نِسَاءَ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَسْأَلْنَ عَنْ أَمْرِ دِينِهِنَّ، وَأَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ، وَقَالَتْ أَيْضًا رَأْسُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ الْحَيَاءُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت» .
وَقَالَ حَبِيبٌ:
إذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي ... وَلَمْ تَسْتَحِي فَافْعَلْ مَا تَشَاءُ
فَلَا وَاَللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ ... وَلَا الدُّنْيَا إذَا ذَهَبَ الْحَيَاءُ
يَعِيشُ الْمَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْرٍ ... وَيَبْقَى الْعُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ
وَقَالَ أَبُو دُلَفٍ الْعِجْلِيُّ:
إذَا لَمْ تَصُنْ عِرْضًا وَلَمْ تَخْشَ خَالِقًا ... وَلَمْ تَرْعَ مَخْلُوقًا فَمَا شِئْت فَاصْنَعْ
وَقَالَ صَالِحُ بْنُ جَنَاحٍ:
إذَا قَلَّ مَاءُ الْوَجْهِ قَلَّ حَيَاؤُهُ ... وَلَا خَيْرَ فِي وَجْهٍ إذَا قَلَّ مَاؤُهُ