عَلَى الشَّرْعِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْعَوَامّ تَفَرَّقُوا عَنْ مَجْلِسٍ مِثْلِ هَذَا وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ لِبَعْضٍ اسْتَغْفِرْ مِمَّا فَعَلْتَ كَثِيرًا وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ نَهَى عَنْهُ قِيلَ لَهُ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ أَبَذْلُ مَاءَ قِرَاحِي وَأَبْذُلُ حَقِّي مِنْ الْمَاءِ وَإِذَا هُوَ قَدْ نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى لَنَا الشَّيْخُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُسْقِيَنَّ أَحَدُكُمْ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» .
وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» وَقَدْ كُنْت أَشْرُطُ الْخِيَارَ لِنَفْسِي فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ إذَا وَرَدَ وَسَمِعَهُ الْعَوَامُّ كَانَ نَسْخًا عِنْدَهُمْ لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا الرَّاوِي إذَا كَانَ قَادِرًا أَنْ يُبَيِّنَ خُصُوصَ الْعَامِّ الْمُخَصَّصِ وَتَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ بِتَقْيِيدِهِ وَإِلَّا فَمُخَاطَرَةٌ، وَرُبَّمَا قَرَأَ نَفْسَ الرَّحْمَنِ مِنْ الْيَمِينِ " وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ " وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ ظَاهِرَ هَذَا كَفَرَ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ السِّرِّ الْمَكْتُومِ لَا يَصْلُحُ لِإِيدَاعِ الْأَسْرَارِ كُلُّ أَحَدٍ وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ وَقَعَ بِكَنْزٍ أَنْ يَكْتُمَهُ مُطْلَقًا فَرُبَّمَا ذَهَبَ هُوَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِالْكَنْزِ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُخَاطِبَ الْعَوَامَّ بِكُلِّ عِلْمٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخُصَّ الْخَوَاصَّ بِأَسْرَارِ الْعِلْمِ لِاحْتِمَالِ هَؤُلَاءِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ أُولَئِكَ، وَقَدْ عُلِمَ تَفَاوُتُ الْأَفْهَامِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ} [النساء: 83] .
وَقَالَ {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]