رَوَى الْخَلَّالُ أَنَّ أَحْمَدَ جَاءَ إلَى وَكِيعٍ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْكُوفِيِّينَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَدَبِهِ وَتَوَاضُعِهِ. فَقِيلَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنَّ الشَّيْخَ لَيُكْرِمُك فَمَا لَك لَا تَتَكَلَّمُ؟ فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ يُكْرِمُنِي فَيَنْبَغِي لِي أَنْ أُجِلَّهُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: مَا اسْتَأْذَنْت قَطُّ عَلَى مُحَدِّثٍ كُنْت أَنْتَظِرُ، حَتَّى يَخْرُج إلَيَّ، وَتَأَوَّلْتُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [الحجرات: 5] .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَجْهَلُ، وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ احْتَمَلَ وَحَلُمَ وَيَقُولُ: يَكْفِينِي اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحَقُودِ وَلَا الْعَجُولِ، وَلَقَدْ وَقَعَ بَيْنَ عَمِّهِ وَجِيرَانِهِ مُنَازَعَةٌ فَكَانُوا يَجِيئُونَ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَلَا يُظْهِرُ لَهُمْ مَيْلَهُ إلَى عَمِّهِ وَلَا يَغْضَبُ لِعَمِّهِ وَيَلْقَاهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ الْكَرَامَةِ وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كَثِيرَ التَّوَاضُعِ يُحِبُّ الْفُقَرَاءَ، لَمْ أَرَ الْفَقِيرَ فِي مَجْلِسِ أَحَدٍ أَعَزَّ مِنْهُ فِي مَجْلِسِهِ، مَائِلٌ إلَيْهِمْ مُقْصِرٌ عَنْ أَهْلِ الدُّنْيَا تَعْلُوهُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، إذَا جَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يُسْأَلَ، وَإِذَا خَرَجَ إلَى مَجْلِسِهِ لَمْ يَتَصَدَّرْ، يَقْعُدُ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسُ وَكَانَ لَا يَقْطُنُ الْأَمَاكِنَ وَيَكْرَهُ إيطَانَهَا وَكَانَ إذَا انْتَهَى إلَى مَجْلِسِ قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسُ، وَصَحِبْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ.
وَكَانَ حَسَنَ الْخُلُقِ دَائِمَ الْبِشْرِ لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَكَانَ يُحِبُّ فِي اللَّهِ وَيُبْغِضُ فِي اللَّهِ وَكَانَ إذَا أَحَبَّ رَجُلًا أَحَبَّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَكَرِهَ لَهُ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ حُبُّهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى يَدَيْهِ وَيَكُفَّهُ عَنْ ظُلْمٍ أَوْ إثْمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ إنْ كَانَ مِنْهُ وَكَانَ إذَا