قَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83] وَقَالَ تَعَالَى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] .
وَالْأُمُّ أَوْلَى بِالْبِرِّ وَفِي ذَلِكَ وَصِلَةِ الرَّحِمِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَفِيهَا شُهْرَةٌ وَمِنْ صَحِيحِهَا «إنَّ مِنْ أَتَمِّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَمَا يُوَلِّي» .
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخَبَر عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِلَ أَبَاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلْيَصِلْ إخْوَانَ أَبِيهِ» وَقَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوُدُّ يُتَوَارَثُ وَالْبُغْضُ يُتَوَارَثُ» وَقَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ثَلَاثٌ يُطْفِئْنَ نُورَ الْعَبْدِ أَنْ يَقْطَعَ وُدَّ أَهْلِ أَبِيهِ وَيُبَدِّلَ سُنَّةً صَالِحَةً وَيَرْمِيَ بِبَصَرِهِ فِي الْحُجُرَاتِ» . وَمَكْتُوبٌ فِي بَعْضِ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى: لَا تَقْطَعْ مَنْ كَانَ أَبُوك يَصِلُهُ فَيُطْفَأَ نُورُك.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: بِتُّ أَغْمِزُ رِجْلَيْ أُمِّي وَبَاتَ عَمِّي يُصَلِّي لَيْلَتَهُ فَمَا سَرَّنِي لَيْلَتَهُ بِلَيْلَتِي. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إنَّمَا رَدَّ اللَّهُ عُقُوبَةَ سُلَيْمَانَ عَنْ الْهُدْهُدِ لِبِرِّهِ بِأُمِّهِ،.
وَرَأَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَجُلًا يَمْشِي خَلْفَ رَجُلٍ فَقَالَ: مَنْ هَذَا قَالَ: أَبِي قَالَ لَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ وَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ فِي ابْنِهِ:
يَوَدُّ الرَّدَى لِي مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهِ ... وَلَوْ مِتُّ بَانَتْ لِلْعَدُوِّ مَقَاتِلُهْ
إذَا مَا رَآنِي مُقْبِلًا غَضَّ طَرْفَهُ ... كَأَنَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ دُونِي يُقَابِلُهْ