فَصْلٌ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي أَحْكَامِهِ الْمُنْتَقَى عَنْ قِيَامِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالسَّيْفِ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ فِي الْحَرْبِ. لِإِرْهَابِ الْعَدُوِّ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي ذَمِّهِ لِمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ النَّاسُ قِيَامًا، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إقَامَةَ الرَّئِيسِ الرِّجَالَ عَلَى رَأْسِهِ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ وَمَوَاطِنِ الْحُرُوبِ جَائِزٌ، وَأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ صُفُوفًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ قَصَدَ بِهِ الْكِبْرَ وَهُوَ مَذْهَبُ النَّحْوِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَقْصُودٍ شَرْعِيٍّ لَا بَأْسَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا جَاءَكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ» قَالَ: نَعَمْ هَكَذَا يُرْوَى قُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الرَّجُلُ السُّوءُ وَالرَّجُلُ الصَّالِحُ فِي هَذَا وَاحِدٌ قَالَ: لَا قُلْت: فَإِنْ كَانَ رَجُلَ سُوءٍ يُكْرِمُهُ، قَالَ: لَا، وَرَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ حَضَرَ غُلَامٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَمَعَهُ إبْرَاهِيمُ سِيلَانُ فَرَأَيْته قَدَّمَ الْغُلَامَ، وَرَأَيْت رَجُلًا مِنْ وَلَدِ الزُّبَيْرِ فِي الْمَسْجِدِ فَرَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَدْ قَدَّمَهُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَكَانَ حَدِيثَ السِّنِّ فَجَعَلَ الْفَتَى يَمْتَنِعُ، وَجَعَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَأْتِي حَتَّى قَدَّمَهُ.
وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِ سَعْدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ أَرْجُو أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ، وَسَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ.