[فَصْلٌ فِي طَائِفَةٍ أُخْرَى مِنْ نَوَابِغِ الْكَلِمِ وَنَوَابِغِ الْحِكَمِ وَكُتُبِ الْبُلَغَاءِ]

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ عَنْ الْكُتَّابِ قَالَ وَهُمْ يَعِيبُونَ تَكْرِيرَ الْأَلْفَاظِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ كَمَا يَذْهَبُونَ إلَيْهِ، وَقَدْ يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ التَّوْكِيدُ وَغَيْرُهُ قَالَ بِشْرُ بْنُ النُّعْمَانِ إيَّاكَ وَالتَّوَعُّرَ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُكَ إلَى التَّعَقُّدِ، وَالتَّعَقُّدُ هُوَ الَّذِي يَسْتَهْلِكُ مَعَانِيكَ، وَيَمْنَعُكَ مَرَامِيكَ.

وَمِمَّنْ كَانَ يَسْتَعْمِلُ حَوَاشِيَ الْكَلَامِ أَبُو عَلْقَمَةَ النَّحْوِيُّ وَهَذَا مُسْتَثْقَلٌ مِنْ كُلِّ مُتَعَمِّدٍ، فَأَمَّا مَنْ لَا يَتَعَمَّدُ مِنْ الْفُصَحَاءِ وَالْمُتَقَدِّمِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحْسَنٌ مِنْهُمْ، وَأَنْشَدَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ:

حِمَارٌ فِي الْكِتَابَةِ يَدَّعِيهَا ... كَدَعْوَى آلِ حَرْبٍ مِنْ زِيَادِ

فَدَعْ عَنْكَ الْكِتَابَةَ لَسْتَ مِنْهَا ... وَلَوْ غَرَّقْتَ ثَوْبَكَ بِالْمِدَادِ

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْمَرْءَ يَسُرُّهُ دَرَكُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ، وَيَسُوءُهُ فَوْتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ فَمَا نِلْتَ مِنْ دُنْيَاكَ فَلَا تَكُنْ بِهِ فَرِحًا وَمَا فَاتَكَ فَلَا تَأْسَ عَلَيْهِ حُزْنًا، وَلْيَكُنْ سُرُورُكَ فِيمَا قَدَّمْتَ، وَأَسَفُكَ عَلَى مَا أَخَّرْتَ، وَهَمُّكَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَكَتَبَ سَالِمٌ إلَى بَعْضِ الْوُلَاةِ: أَمَّا أَنَا فَمُعْتَرِفٌ بِالتَّقْصِيرِ فِي شُكْرِكَ عِنْدَ ذِكْرِكَ، لَيْسَ ذَاكَ لِتَرْكِي إيَّاهُ فِي مَوَاضِعِهِ، وَلَكِنْ لِزِيَادَةِ حَقِّكَ عَلَى مَا يَبْلُغُهُ جَهْدِي. وَأَهْدَى بَعْضُهُمْ طِيبًا وَكَتَبَ: الثِّقَةُ بِكَ سَهَّلَتْ السَّبِيلَ إلَيْكَ، فَأَهْدَيْتُ هَدِيَّةَ مَنْ لَا يَحْتَشِمُ إلَى مَنْ لَا يَغْتَنِمُ.

وَأَهْدَى بَعْضُهُمْ إلَى الْمَأْمُونِ قَارُورَةً فِيهَا دُهْنُ أُتْرُجٍّ، وَكَتَبَ إلَيْهِ إذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015