عَنْ عَائِدِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ «أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ فَقَالُوا: مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّك أَغْضَبْتَهُمْ؟ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ عَزَّ وَجَلَّ فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا إخْوَتَاهُ، أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لَا. يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَقَالَ: «قُلْ عَافَاكَ اللَّهُ رَحِمَكَ اللَّهُ لَا تُزِدْ» ، لَا تَقُلْ قَبْلَ الدُّعَاءِ: لَا. فَتَصِيرُ صُورَتُهُ نَفْيًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قُلْ لَا، وَيَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ.
فَصْلٌ (فِي الْتِزَامِ الْمَشُورَةِ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159]
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَدَعُ الْمَشُورَةَ إذَا كَانَ فِي أَمْرٍ حَتَّى إنْ كَانَ لَيُشَاوِرُ مَنْ هُوَ دُونَهُ، وَكَانَ إذَا أَشَارَ عَلَيْهِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ أَشَارَ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَتَّهِمُهُ مِنْ أَهْلِ النُّسُكِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَاوِرَهُ قَبِلَ مَشُورَتَهُ وَكَانَ إذَا شَاوَرَهُ الرَّجُلُ اجْتَهَدَ لَهُ رَأْيَهُ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِمَا يَرَى مِنْ صَلَاحٍ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُشَاوِرُ فِي كُلِّ مَا يَهُمُّ بِهِ، وَيَأْتِي بِالْقُرْبِ مِنْ نِصْفِ الْكِتَابِ بَعْدَ ذِكْرِ حُسْنِ الْخُلُقِ وَالْحَيَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَبْلَ ذِكْرِ الزُّهْدِ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ يُبَادَرُ بِهِ، وَقَوْلُ الْخَلَّالِ فِي الْأَدَبِ كَرَاهَةُ الْعَجَلَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَسَبَقَ مِنْ نَحْوِ نِصْفِ كُرَّاسَةٍ الْكَلَامُ فِي النُّصْحِ. قَالَ: قَالَ: ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] .