وَقَالَ:
وَمَنْ يَجْعَلْ الْمَعْرُوفَ مَعْ غَيْرِ أَهْلِهِ ... يُلَاقِ الَّذِي لَاقَى مُجِيرُ أُمِّ عَامِرِ
قَالَ الْمُهَلَّبُ: عَجِبْتُ لِمَنْ يَشْتَرِي الْمَمَالِيكَ بِمَالِهِ وَلَا يَشْتَرِي الْأَحْرَارَ بِمَعْرُوفِهِ وَقَالَ: لَيْسَ لِلْأَحْرَارِ ثَمَنٌ إلَّا الْإِكْرَامَ فَأَكْرِمْ حُرًّا تَمْلِكْهُ.
وَقَالَ الْمُتَنَبِّي:
إذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الْكَرِيمَ مَلَكْتَهُ ... وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا
وَقَالَ عَبْدُ مَنَافٍ: دَوَاءُ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ الْإِكْرَامُ الْهَوَانُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
مَنْ لَمْ يُؤَدِّبْهُ الْجَمِيلُ ... فَفِي عُقُوبَتِهِ صَلَاحُهْ
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: فِعْلُ الْخَيْرِ مَعَ الْأَشْرَارِ تَقْوِيَةٌ لَهُمْ عَلَى الْأَخْيَارِ، كَمَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْرَمَ الْخَيْرُ أَهْلَهُ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْرَمَ الْخَيْرَ حَقَّهُ، فَإِنَّ وَضْعَ الْخَيْرِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ ظُلْمٌ لِلْخَيْرِ كَمَا قِيلَ: لَا تَمْنَعُوا الْحِكْمَةَ أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ، وَلَا تَضَعُوهَا فِي غَيْرِ أَهْلِهَا فَتَظْلِمُوهَا، كَذَلِكَ الْبِرُّ وَالْإِنْعَامُ مُفْسِدٌ لِقَوْمٍ حَسَبُ مَا يُفْسِدُ الْحِرْمَانُ قَوْمًا، قَالَ: فَهُوَ كَالنَّارِ كُلَّمَا أُطِيبَ لَهَا مَأْكَلًا سَطَتْ فَأَفْسَدَتْ قَالَ فَرْقَدٌ قَالَ الْمُتَنَبِّي:
وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالْعُلَا ... مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِ النَّدَى
فَالسِّيَاسَةُ الْكُلِّيَّةُ افْتِقَادُ مَحَالِّ الْإِنْعَامِ قَبْلَ الْإِنْعَامِ، وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كُنْ مِنْ خَمْسَةٍ عَلَى حَذَرٍ مِنْ لَئِيمٍ إذَا أَكْرَمْتَهُ، وَكَرِيمٍ إذَا أَهَنْتَهُ، وَعَاقِلٍ إذَا أَحْرَجْتَهُ، وَأَحْمَقَ إذَا مَازَحْتَهُ، وَفَاجِرٍ إذَا مَازَجْتَهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ وَيَأْتِي فِي آخِرِ كُرَّاسَةٍ فِي الْكِتَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا.