التَّرْجَمَةِ، وَذَكَرَ قِصَّتَهُ قَالَ: رَأَيْتُ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ يَقْرَءُونَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ وَيَتَعَجَّبُونَ، مُسْتَحْسِنِينَ لِهَذَا الْفِعْلِ، غَافِلِينَ عَمَّا تَحْتَهُ مِنْ الْقَبِيحِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوُلَاةِ إيصَالُ قَصَصِ الْمَظْلُومِينَ وَأَهْلِ الْحَوَائِجِ، فَإِقَامَةُ مَنْ يَأْخُذُ الْأَجْعَالَ عَلَى هَذَا الْقَبِيحِ حَرَامٌ، وَهَذَا مِمَّا وَهِيَ بِهِ الزَّجَّاجُ وَهْيًا عَظِيمًا، وَلَا يَرْتَفِعُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ مَا فِي بَاطِنِ مَا قَدْ حَكَاهُ عَنْ نَفْسِهِ فَهَذَا جَهْلٌ بِمَعْرِفَةِ حُكْمِ الشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ فَحِكَايَتُهُ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ، فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ قِلَّةِ الْفِقْهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلَنَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي أَخْذِ الْأُجْرَةِ وَالْجَعَالَةِ عَلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا وَالتَّفْرِقَةِ، فَغَايَةُ الشَّفَاعَةِ كَذَلِكَ.
وَنَصَّ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَنْ لَوْ قَالَ: اقْتَرِضْ لِي مِائَةً وَلَك عَشَرَةً. أَنَّهُ يَصِحُّ، قَالَ أَصْحَابُنَا: لِأَنَّهُ جَعَالَةٌ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ، قَالُوا: يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْذُلَ جُعْلًا لِمَنْ يَدُلُّ عَلَى مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ الْمَجْعُولَ لَهُ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا. وَقَاسُوهُ عَلَى أُجْرَةِ الدَّلِيلِ.
وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسُئِلَ عَنْ السُّحْتِ فَقَالَ: أَنْ تَشْفَعَ لِأَخِيكَ شَفَاعَةً فَيَهْدِي لَك هَدِيَّةً فَتَقْبَلُهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ هَدِيَّةً فِي بَاطِلٍ قَالَ: ذَلِكَ كُفْرٌ {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] . فَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ: وَإِنَّمَا السُّحْتُ أَنْ يَسْتَعِينَكَ عَلَى مَظْلِمَةٍ، فَيَهْدِي لَك فَلَا تَقْبَلُ ثُمَّ يُجَابُ عَنْهُ بِمَا سَبَقَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.