الْهَدِيَّةُ إنْ أُهْدِيَتْ إلَيْهِ يَخُصُّ بِهَا مَنْ شَاءَ، وَلَا يَصِحُّ الْخَبَرُ إنَّهَا لِمَنْ حَضَرَ، وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ شَرْعًا وَعُرْفًا الْهَدِيَّةُ أَوَائِلُ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْهَا لَا سِيَّمَا إلَى الْكَبِيرِ الصَّالِحِ وَدُعَائِهِ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْبَرَكَةِ، وَأَنَّهُ يُخَصِّصُ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ بَعْضَ مَنْ يُحْضِرُهُ مِنْ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ لِذَلِكَ مَوْقِعًا عَظِيمًا بِخِلَافِ الْكِبَار.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُؤْتَى بِأَوَّلِ الثَّمَرِ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَفِي مُدِّنَا وَفِي صَاعِنَا وَفِي ثِمَارِنَا بَرَكَةً مَعَ بَرَكَةٍ ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يُحْضِرُهُ مِنْ الْوِلْدَانِ» .
قَالَ أَبُو الْحَارِثِ: إنَّ أَبَا عَبْدَ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَسْأَلهُ الرَّجُلُ الْحَاجَةَ فَيَسْعَى مَعَهُ فِيهَا فَيُكَافِئُهُ عَلَى ذَلِكَ بِلُطْفِهِ يُهْدِي لَهُ تَرَى لَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا؟ قَالَ إنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْبِرِّ وَطَلَبِ الثَّوَابِ كَرِهْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَهَذَا النَّصُّ إنَّمَا فِيهِ الْكَرَاهَةُ لِمَنْ طَلَبَ الْبِرَّ وَالثَّوَابَ، وَظَاهِرُهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي الْمُعَلِّمِ إنْ أُعْطِيَ شَيْئًا بِلَا شَرْطٍ جَازَ، وَإِنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَكَرِهَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثِ الْقَوْسَيْنِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَصَدَ الْقُرْبَةَ فَكَرِهَهُ لَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَقَالَ صَالِحٌ وُلِدَ لِي مَوْلُودٌ فَأَهْدَى إلَيَّ صَدِيقٌ لِي شَيْئًا، فَمَكَثْت عَلَى ذَلِكَ أَشْهُرًا، وَأَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الْبَصْرَةِ فَقَالَ لِي: كَلِّمْ لِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَكْتُبُ لِي إلَى الْمَشَايِخِ بِالْبَصْرَةِ فَكَلَّمْته، فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّهُ أَهْدَى إلَيْك كَتَبْتُ فَلَسْتُ أَكْتُبُ لَهُ.
وَقَالَ صَالِحٌ قُلْتُ لِأَبِي: رَجُلٌ