أَبُو دَاوُد لِذَلِكَ يُوَافِقُهُ، ثُمَّ هَلْ يَحْرُمُ أَكْلُ هَذَا الطَّعَامِ أَوْ يُكْرَهُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ نَظَرًا إلَى ظَاهِر النَّهْيِ وَالْمَعْنَى.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ إنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ لَا يُصَلِّي وَلَا يُجِيبُ دَعْوَتَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَقَطَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تَجِبُ إجَابَةُ مَنْ يَجُوزُ هَجْرُهُ.
وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ الَّذِي لَا تَجِبُ إجَابَتُهُ، وَحَكَاهُ فِي الْمُغْنِي عَنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَأْمَنُ اخْتِلَاطَ طَعَامِهِمْ بِالْحَرَامِ وَالنَّجَاسَةِ فَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَا تَجِبُ إجَابَةُ مُسْلِمٍ فِي مَا لَهُ شُبْهَةٌ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَثُرَتْ، وَلَا مَنْ لَا يَتَحَرَّزُ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَيُلَابِسُهَا كَثِيرًا، وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الرَّجُلِ يُدْعَى إلَى الْخِتَانِ أَوْ الْعُرْسِ وَعِنْدَهُ الْمُخَنَّثُونَ، فَيَدْعُوهُ بَعْد ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ سَاعَةٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أُولَئِكَ؟ فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَأْثَمَ إنْ لَمْ يُجِبْ، وَإِنْ أَجَابَ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ آثِمًا.
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ ذِكْرِهِ لِهَذَا النَّصِّ: فَأُسْقِطَ الْوُجُوبُ لِإِسْقَاطِ الدَّاعِي حُرْمَةَ نَفْسِهِ بِاِتِّخَاذِ الْمُنْكَرِ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْإِجَابَةِ لِكَوْنِ الْمُجِيبِ لَا يَرَى مُنْكَرًا وَلَا يَسْمَعُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: إنَّمَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إذَا كَانَ الْمُكْتَسِبُ طَيِّبًا وَلَمْ يَرَ مُنْكَرًا، وَهَذَا يُؤَيِّد مَا تَقَدَّمَ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ فِي الْمُغْنِي بَعْد ذِكْرِهِ لِهَذَا النَّصِّ: فَعَلَى هَذَا لَا تَجِبُ إجَابَةُ مَنْ طَعَامُهُ مِنْ مُكْتَسَبٍ خَبِيثٍ؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَهُ مُنْكَرٌ وَالْأَكْلُ مِنْهُ مُنْكَرٌ، فَهُوَ أَوْلَى بِالِامْتِنَاعِ، وَإِنْ حَضَرَ لَمْ يَأْكُلْ.
وَقَالَ صَالِحُ لِأَبِيهِ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ شَرِبَ الْخَمْرَ يَدْعُونِي إلَى غِذَائِهِ وَعَشَائِهِ أُجِيبُهُ، وَأُجَالِسُهُ قَالَ: تَأْمُرُهُ وَتَنْهَاهُ فَإِنْ كَانَ كَسْبُهُ كَسْبًا طَيِّبًا وَعَصَى اللَّه فِي بَعْضِ أَمْرِهِ يَدْعُو لَا يُجَابُ.
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَا شَاهِدٌ: الرَّجُلُ يَكُونُ فِي الْقَرْيَةِ أَوْ الرُّسْتَاقِ وَسُئِلَ عَنْ الشَّيْءِ مِنْ الْعِلْمِ