مَعْنَى الْحَدِيثِ قِوَامُ الدِّينِ وَعِمَادُهُ النَّصِيحَةُ كَقَوْلِهِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ»
وَلِأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «أَحَبُّ مَا تَعَبَّدَ لِي بِهِ عَبْدِي النُّصْحُ لِي» وَقَالَ جَرِيرٌ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَالطَّاعَةِ فَلَقَّنَنِي " فِيمَا اسْتَطَعْت " وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ كَأَحْمَدَ وَزَادَ وَعَلَى فِرَاقِ الشِّرْكِ.
قِيلَ: النَّصِيحَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ نَصَحَ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ إذَا خَاطَهُ فَشَبَّهُوا فِعْلَ النَّاصِحِ فِيمَا يَتَحَرَّاهُ مِنْ صَلَاحِ الْمَنْسُوجِ لَهُ بِمَا يَسُدُّهُ مِنْ خَلَلِ الثَّوْبِ، وَقِيلَ: مِنْ نَصَحْت الْعَسَلَ إذَا صَفَّيْته مِنْ الشَّمْع، شَبَّهُوا تَخْلِيصَ الْقَوْلِ مِنْ الْغِشِّ بِتَخْلِيصِ الْعَسَلِ مِنْ الْخَلْطِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ وُجُوبُ النُّصْحِ لِلْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِخْبَارِ وَلِمُسْلِمٍ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا يَجْتَهِدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إلَّا لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ مَعَهُمْ» فَقَدْ يُقَالُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ وُجُوبَ النُّصْحِ يَتَوَقَّفُ عَلَى السُّؤَالِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا بَلْ خَصَّ الْأَمِيرَ هَذَا لِأَنَّهُ أَخَصُّ. لَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ وَفِيهِ فَإِذَا اسْتَنْصَحَك فَانْصَحْ لَهُ» وَهَذَا أَوْلَى وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ عَلَى مُحَرَّمٍ وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ قَوْلِهِ بِخِلَافِ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ.
وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: التَّاجِرُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ رَجُلٌ مُفْلِسٌ وَأَنَا أَعْرِفُهُ، وَلَا يَعْرِفُهُ أَسْكُتُ أَمْ أُخْبِرُهُ، قَالَ لَوْ أَنَّ خَنَّاقًا صَحِبَك، وَأَنْتَ لَا تَعْرِفُهُ وَأَنَا أَعْرِفُهُ أَأَسْكُتُ حَتَّى يَقْتُلَك؟ وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ ظَنَّ أَنْ لَا يَقْبَلَ نُصْحَهُ أَوْ خَافَ أَذًى مِنْهُ فَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي بَابِ النَّصِيحَةِ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ