اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي أَعْرِفُ إذَا كُنْت رَاضِيَةً عَنِّي وَإِذَا كُنْت عَلَيَّ غَضْبَى قَالَتْ: فَقُلْت: وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَمَّا إذَا كُنْت عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّك تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْت غَضْبَى قُلْت: لَا وَرَبِّ إبْرَاهِيمَ قُلْت: أَجَلْ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إلَّا اسْمَك» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: مُغَاضَبَةُ عَائِشَةَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْغَيْرَةِ الَّتِي عُفِيَ عَنْهَا لِلنِّسَاءِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ انْفِكَاكِهِنَّ مِنْهَا حَتَّى قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ: يَسْقُطُ عَنْهَا الْحَدُّ إذَا قَذَفَتْ زَوْجَهَا بِالْفَاحِشَةِ عَلَى جِهَةِ الْغَيْرَةِ قَالَ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا تَدْرِي الْغَيْرَاءُ أَعْلَى الْوَادِي مِنْ أَسْفَلِهِ» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَلَوْلَا ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَرَجِ مَا فِيهِ، لِأَنَّ الْغَضَبَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَجْرَهُ كَبِيرَةٌ. عَظِيمَةٌ وَلِهَذَا قَالَتْ لَا أَهْجُرُ إلَّا اسْمَك. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَلْبَهَا وَحُبَّهَا كَمَا كَانَ، وَإِنَّمَا الْغَيْرَةُ فِي النِّسَاءِ لِفَرْطِ الْمَحَبَّةِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَطَارَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فَخَرَجْنَا مَعَهُ جَمِيعًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ اللَّيْلُ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ مَعَهَا فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: أَلَا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَك فَتَنْظُرِينَ، وَأَنْظُرُ قُلْت: بَلَى فَرَكِبَتْ حَفْصَةُ عَلَى بَعِيرِ عَائِشَةَ وَرَكِبَتْ عَائِشَةُ عَلَى بَعِيرِ حَفْصَةَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ فَسَلَّمَ، ثُمَّ سَارَ مَعَهَا حَتَّى نَزَلُوا، فَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ فَغَارَتْ فَلَمَّا نَزَلَتْ جَعَلَتْ تَجْعَلُ رِجْلَيْهَا بَيْنَ الْإِذْخِرِ وَتَقُولُ يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي، رَسُولُك وَلَا أَسْتَطِيعُ أَقُولَ لَهُ شَيْئًا» .
قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هَذَا الَّذِي فَعَلَتْهُ، وَقَالَتْهُ حَمَلَهَا عَلَيْهِ فَرْطُ الْغَيْرَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَمْرَ الْغَيْرَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُهُ، وَمَا قَالَهُ لَا يُوَافِقُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ.