وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي عُتْبَةَ الْخَوْلَانِيِّ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَزَالُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ» قَالَ أَحْمَدُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: هُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُنْشِدُ:
إذَا رَأَيْت شَبَابَ الْحَيِّ قَدْ نَشَئُوا ... لَا يَحْمِلُونَ قِلَالَ الْحِبْرِ وَالْوَرَقَا
وَلَا تَرَاهُمْ لَدَى الْأَشْيَاخِ فِي حِلَقٍ ... يَعُونَ مِنْ صَالِحِ الْأَخْبَارِ مَا اتَّسَقَا
فَعَدِّ عَنْهُمْ وَدَعْهُمْ إنَّهُمْ هَمَجُ ... قَدْ بَدَّلُوا بِعُلُوِّ الْهِمَّةِ الْحُمُقَا
وَقَالَ الْمُزَنِيّ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ يَا أَبَا إبْرَاهِيمَ الْعِلْمُ جَهْلٌ عِنْدَ أَهْلِ الْجَهْلِ، كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ جَهْلٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، ثُمَّ أَنْشَدَ الشَّافِعِيُّ لِنَفْسِهِ:
وَمَنْزِلَةُ الْفَقِيهِ مِنْ السَّفِيهِ ... كَمَنْزِلَةِ السَّفِيهِ مِنْ الْفَقِيهِ
فَهَذَا زَاهِدٌ فِي قُرْبِ هَذَا ... وَهَذَا فِيهِ أَزْهَدُ مِنْهُ فِيهِ
إذَا غَلَبَ الشَّقَاءُ عَلَى السَّفِيهِ ... تَنَطَّعَ فِي مُخَالَفَةِ الْفَقِيهِ
قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ وَهَذَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا يَعْرِفُ الْفَضْلَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ أُولُوا الْفَضْلِ» ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ مَا رَوَاهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ مَشْهُورٌ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا دَخَلَ مِصْرَ أَتَاهُ جُلُّ أَصْحَابِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ فَابْتَدَأَ يُحَلِّفُ أَصْحَابَ مَالِكٍ فِي مَسَائِلَ فَتَنَكَّرُوا لَهُ وَجَفَوْهُ فَأَنْشَأَ يَقُولُ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ لَمَّا دَخَلَ الشَّافِعِيُّ مِصْرَ أَوَّلَ قُدُومِهِ إلَيْهَا جَفَاهُ النَّاسُ فَلَمْ يَجْلِسْ إلَيْهِ أَحَدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ قَدِمَ مَعَهُ: لَوْ قُلْت شَيْئًا يَجْتَمِعُ إلَيْك بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ إلَيْك عَنِّي وَأَنْشَدَ يَقُولُ:
أَأَنْثُرُ دُرًّا بَيْنَ سَارِحَةِ النَّعَمْ ... أَأَنْظِمُ مَنْثُورًا لِرَاعِيَةِ الْغَنَمْ
لَعَمْرِي لَإِنْ ضُيِّعْتُ فِي شَرِّ بَلْدَةٍ ... فَلَسْت مُضَيِّعًا بَيْنَهُمْ غُرَرَ الْكَلِمْ
فَإِنْ فَرَّجَ اللَّهُ اللَّطِيفُ بِلُطْفِهِ ... وَصَادَفْت أَهْلًا لِلْعُلُومِ وَلِلْحِكَمْ
بَثَثْتُ مُفِيدًا وَاسْتَفَدْتُ وِدَادَهُمْ ... وَإِلَّا فَمَخْزُونٌ لَدَيَّ وَمُكْتَتَمْ
وَمَنْ مَنَحَ الْجُهَّالَ عِلْمًا أَضَاعَهُ ... وَمَنْ مَنَعَ الْمُسْتَوْجِبِينَ فَقَدْ ظَلَمْ