وَخَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ» .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّمَا يُعْرَفُ الْحِلْمُ سَاعَةَ الْغَضَب وَكَانَ يَقُول أَوَّلُ الْغَضَبِ جُنُون وَآخِره نَدَم وَلَا يُقَوَّمُ الْغَضَب بِذُلِّ الِاعْتِذَار وَرُبَّمَا كَانَ الْعَطَب فِي الْغَضَب وَقِيلَ لِلشَّعْبِيِّ لِأَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ السَّرِيعُ الْغَضَب سَرِيع الْفَيْئَة وَيَكُونُ بَطِيءُ الْغَضَب بَطِيءَ الْفَيْئَة قَالَ لِأَنَّ الْغَضَب كَالنَّارِ فَأَسْرَعُهَا وُقُودًا أَسْرَعُهَا خُمُودًا. أَرَادَ الْمَنْصُورُ خَرَاب الْمَدِينَةِ لِإِطْبَاقِ أَهْلهَا عَلَى حَرْبه مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُعْطِيَ فَشَكَرَ، وَإِنَّ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اُبْتُلِيَ فَصَبَرَ، وَإِنَّ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدَرَ فَغَفَرَ، وَقَدْ جَعَلَك اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ نَسْلِ الَّذِينَ يَعْفُونَ وَيَصْفَحُونَ. فَطَفِئَ غَضَبُهُ وَسَكَتَ. وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا بِالْقُرْبِ مِنْ نِصْفِ الْكِتَاب فِي الْخُلُق الْحَسَن وَالْحِلْم وَنَحْو ذَلِكَ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ إلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ لَوْ أَسَاءَ لِيَزْدَادَ شُكْرًا، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ إلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً» قَالَ فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِ إذَا بُولِغَ فِي الْإِحْسَان إلَيْهِ فَإِنَّ مِنْ تَمَام الْإِحْسَان أَنْ يَشْعُر قَدْرَ أَكْثَر الَّذِي خَلَصَ فِيهِ لِيَكُونَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتَيْنِ، بِأَنْ وَقَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الشَّرَّ وَغَمَسَهُ فِي الْخَيْر، كَمَا أَنَّ الْكَافِر إذَا اشْتَدَّ بِهِ الِانْتِقَام أُرِيَ مَقَامَ الْفَوْزِ الَّذِي فَاتَهُ لِتُضَاعَفَ حَسْرَتُهُ مِنْ طَرَفَيْنِ: مَا هُوَ فِيهِ وَتَوَالِي حَسَرَاتِهِ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ الْخَيْر لِيَكُونَ غَمُّهُ مِنْ كِلَا جَانِبَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ قَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم قَوْلًا بِمَحْضَرٍ مِنْ السُّلْطَان فِي الِاحْتِدَاد عَلَيْهِ وَأَخَذَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ يَتَرَفَّق وَيُسَكِّن غَضَبه وَلَمْ يَكُ مَحِلّه بِحَيْثُ يَشْفَع فِي مِثْل ذَلِكَ الْعَالِم، فَالْتَفَتَ الْعَالِم فَقَالَ لِلشَّافِعِ يَا هَذَا غَضَبُ هَذَا الصَّدْر وَكَلَامُهُ إيَّايَ بِمَا يَشُقُّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَفَاعَتك إلَيْهِ، فَإِنَّ غَضَبَهُ لَا يَغُضُّ مِنِّي وَهُوَ سُلْطَانِي، وَشَفَاعَتك فِي غَضَاضَةٌ عَلَيَّ وَكَانَ الْقَائِل حَنْبَلِيًّا فَأَفْحَمَ الشَّافِعَ وَأَرْضَى السُّلْطَان.